الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: إياكم وأبواب السلطان...

السؤال

ما صحة هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم العلماء على أبواب السلاطين فاتهموهم؟ وما هو شرحه؟ وعلى من ينطبق من العلماء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نقف على حديث صحيح مرفوع بهذا اللفظ، وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء بإسناده عن جعفر الصادق أنه قال: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم.

وذكره المزي في تهذيب الكمال والذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة جعفر.

ومما صُحِّح من المرفوع في هذا الباب، قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم وأبواب السلطان، فإنه قد أصبح صعبا هبوطا. رواه الطبراني والديلمي، وصححه الألباني.

قال المناوي في فيض القدير: صعبا ـ أي شديدا: هبوطا ـ أي منزلا لدرجة من لازمه، مذلا له في الدنيا والآخرة، ثم إن لفظ: هبوطا ـ بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع، والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني: حبوطا ـ بحاء مهملة، أي يحبط العمل والمنزلة عند الله تعالى.

قال الديلمي: وروي خبوطا بخاء معجمة، والخبط أصله الضرب، والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض. اهـ.

وإنما كان كذلك، لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه أغلى منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم، سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع، ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك. اهـ.

ومن ذلك ـ أيضا ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى أبواب السلطان افتتن. قال المنذري: رواه أحمد بإسنادين، رواة أحدهما رواة الصحيح اهـ. وقال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، خلا الحسن بن الحكم النخعي وهو ثقة. اهـ. وصححه الألباني.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: افتتن ـ بصيغة المجهول أي وقع في الفتنة، فإنه إن وافقه فيما يأتيه ويذره فقد خاطر على دينه، وإن خالفه فقد خاطر على دنياه. اهـ.

وقال المناوي: وذلك لأن الداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تنعمهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يهمل الإنكار عليهم مع وجوبه فيفسق فتضيق صدورهم بإظهار ظلمهم وبقبيح فعلهم، وإما أن يطمع في دنياهم وذلك هو السحت. اهـ.

ومما تقدم يُعرف أن ذلك ينطبق على من دخل عليهم يلتمس دنياهم، فداهن، أو نافق، فسكت عن الحق، أو تكلم بالباطل، ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، وأما من صدع بالحق ولم يخش في الله لومة لائم فهو من المجاهدين الكبار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.

وقد نقل المباركفوري عن المظهر أنه فسر الحديث السابق بقوله: يعني من دخل على السلطان وداهنه وقع في الفتنة ـ وأما من لم يداهن ونصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فكان دخوله عليه أفضل الجهاد. اهـ.

ومما أثر عن الصحابة في هذا الباب ما رواه البخاري في تاريخه والبيهقي في الشعب عن علي قال: اتقوا أبواب السلطان.

ومنها ما رواه معمر في جامعه والخطابي في العزلة والبيهقي عن ابن مسعود قال: إن على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل، لا تصيبوا من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينكم مثله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني