الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب إعادة الصلوات التي صلاها بالتيمم ولم يكن معذورا

السؤال

سافرت في الشتاء والجو بارد، وكنت أبيت في غير سكن، وفي إحدى الليالي أصابتني جنابة فبدلت ملابسي وغسلت المني، ولم أغتسل، بل توضأت وتيممت لبرودة الجو، علماً بأنني أبيت داخل المدينة، ولكن في
غير سكن ـ في برحة ـ وأحياناً البر قريباً من المدن والقرى، وكما تعلمون أن دورات مياه المساجد غير مهيأة للاغتسال، فهل يجب علي الاستئجار لكي أغتسل، علماً بأنني ضمن مجموعة تكبرني وأتحرج من إخبارهم أنني
على جنابة وأخاف من تأخيرهم إذا أردت الاغتسال، ولا أستطيع إجبارهم على الاستئجار لكي أغتسل، علماً بأنه طوال سفري وأنا أحاول جاهداً البحث عن مكان أغتسل فيه ولما توصلت لمكان أستطيع الاغتسال فيه لم أكن صليت المغرب والعشاء، ووصلت بعد خروج الناس من صلاة العشاء فصليت ثم اغتسلت لكي أصلي مع الجماعة التي سافرت معها، فما الحكم في فعلي هذا؟ أفتونا مأجورين، وإذا كان يجب علي إعادة الصلوات، فهل أعيدها مقصورة أم تامة؟ وهل أعتبر مفرطاً؟ علماً بأنني كنت متشوقاً للاغتسال في أقرب وقت ممكن.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الإجابة عن السؤال ننبه الأخ السائل إلى أن الحياء من الاغتسال وخوف الحرج من الناس ليسا من الأعذار المبيحة للتيمم، ومن استطاع الغسل ثم تيمم بسبب الحياء لم تصح صلاته، لأنه صلى على غير طهارة كما أن الوضوء ليس بديلاً عن الغسل، ولا يجوز التيمم إلا إذا لم يجد الماء أصلاً، أو وجده وخاف من استعماله ضرراً محققاً، أو مظنوناً بعد استعمال الوسائل التي تقي ضرر الماء مثل التسخين والاغتسال في المكان الدافئ والتنشيف، فعند ذلك ينتقل للتيمم ولا يطالب بالوضوء، ثم إننا لا نرى أن من كان بمكان توجد فيه المساجد والحمامات والأبنية أنه يتعذر عليه وجود مكان يغتسل فيه هذه المدة كلها، ثم إن عدم وجود الحمام المعهود للاستحمام لا يبيح التيمم للجنب، إذ الغسل يمكن في غير الحمام، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وكانت تستره ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أيام فتح مكة، ففي صحيح مسلم عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب.

وقد بوب الإمام النووي لهذا الحديث فقال: باب تستر المغتسل بثوب ونحوه. انتهى. قال في الشرح: هذا فيه دليل على جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه إذا كان يحول بينه وبينها ساتر من ثوب وغيره. انتهى.

هذا مما يدل أن عدم وجود حمام مناسب لا يبيح ترك الغسل والانتقال إلى التيمم وعلى هذا، فإذا كان الماء موجوداً ولا يخشى الأخ السائل ضرراً باستعماله ولم يخش فوات رفقته إذا اشتغل بالغسل فعليه إعادة كافة الصلوات التي صلاها بغير طهارة، لأن الغسل ممكن في غير الحمامات المعهودة، ونرجو أن لا يكون مفرطاً إن كان جاهلاً، وإذا كان بقوله: فهل يجب علي الاستئجارـ يعني استئجار مكان للغسل فقد سبق أن ذكرنا أن الغسل واجب مع وجود الماء والقدرة على استعماله، ولا يجب الاغتسال في مكان معين، وله أن يغتسل في أي مكان سواء كان بأجرة، أو بغير أجرة، وفي حال ما إذا لم يستطع استعمال الماء إلا في مكان دافئ مثل الحمام ولم يجد ذلك إلا بأجرة وجب عليه الاستئجار بما لا يجحف به، فإن ترتب على أداء الأجرة ضرر كنقص نفقة عياله أو قضاء دين صلى بالتيمم، ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: يجوز للرجل إذا عدم الماء، أو خاف الضرر باستعماله وإن كان جنباً، فإذا خشي إذا اغتسل بالماء البارد أن يضره ولا يمكنه الاغتسال بالماء الحار في بيت ولا حمام ولا غيرهما جاز له التيمم ولا إعادة على الصحيح، وإن أمكنه دخول الحمام بجعل وجب عليه ذلك إذا كان واجداً لأجرة الحمام من غير إجحاف في ماله، كما يجب شراء الماء للطهارة، وإن كان في أداء أجرة الحمام ضرر كنقص نفقة عياله وقضاء دينه صلى بالتيمم. انتهى.

ثم اعلم أن جوازه للجنب عند أبي حنيفة مشروط بأن لا يقدر على تسخين الماء ولا على أجرة الحمام في المصر ولا يجد ثوباً يتدفأ فيه، ولا مكانا يأويه، كما أفاده في البدائع وشرح الجامع الصغير.

وقد كان عليه بعد أن وصل مكانا يستطيع فيه الغسل أن يغتسل أولاً ثم يصلي المغرب والعشاء، لأن الطهارة مقدمة على فضل الجماعة وحيث إنه قدمهما فعليه إعادتهما كما وجب عليه إعادة سائر الصلوات التي لم يكن معذوراً في التيمم لها، وتعاد الصلوات التي فاتت في السفر تامة إلا إذا حصلت الإعادة في السفر، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 72736، ورقم: 42894.

علماً بأن من أهل العلم من يرى أن من ترك ركناً من أركان الصلاة، أو شرطاً من شروطها جاهلاً لا تجب عليه إعادة ما مضى قبل أن يعلم الحكم، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 114133. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 103899، 10604.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني