الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فضل المواظبة على صلاتي العشاء والفجر في جماعة.

السؤال

هل صحيح أن من واظب على صلاتي الفجر والعشاء مع الجماعة؛ فقد برئ من النفاق؟
أفيدونا، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد جاء في حديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، أن من حافظ على هاتين الصلاتين في جماعة أربعين ليلة، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق.

ولفظ الحديث: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْإَسْكافُ، عَنْ أَبِي عَمِيرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَظُنُّهُ قَدْ رَفَعَهُ- قَالَ: مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ، وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أربعين ليلة فِي جَمَاعَةٍ لَا تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ، كُتِبت لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ.
وذكر محقق طبعة وزارة الأوقاف القطرية: عبد العلي عبد الحميد حامد ما يفيد أن إسناده لا بأس به.
وقد أخرج هذا الحديث أيضا الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن وغيرهما بألفاظ ليس فيها تخصيص لهاتين الصلاتين بهذه الفضيلة.

ولفظه عند الترمذي: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق. والحديث حسنه الألباني.
قال الطيبي في شرح المشكاة: قوله: ((براءة من النفاق)) أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق، ويوفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه بما يعذب به المنافق من النار، أو ليشهد له أنه غير منافق؛ فإن المنافقين إذا قاموا إلي الصلاة قاموا كسالى، وحال هذا بخلافهم. انتهى.
وقد ثبتت لهاتين الصلاتين فضيلة أخرى، ربما يفهم منها هذا المعنى، وهي أنهما أثقل الصلوات على المنافقين.

فقد أخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَيْسَ صَلَاةٌ ‌أَثْقَلَ ‌عَلَى ‌المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ المُؤَذِّنَ، فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ.

فالمواظبة على حضورهما جماعة، دليل على بعد الشخص من النفاق؛ لأن المنافق لا يوفق لذلك ـ والعياذ بالله تعالى-.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح الحديث: ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ومنه قوله تعالى: ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى.

وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما؛ لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم.

وقيل: وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل؛ لقيامهم بحقهما دون المنافقين. انتهى.
كما ثبت في فضل هاتين الصلاتين أيضا أن من صلاهما جماعة، كان كمن قام الليل كله.

ففي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله.

والحديث رواه الترمذي بلفظ: من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان له كقيام ليلة.
ورواه أبو داود بلفظ: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني