الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعنيف المرأة المطالبة بميراثها من أخلاق الجاهلية

السؤال

للأرض بين أبناء العائلة؛ فإنَّ الناسَ يُنَـشِّئُون بَنَاتِهم على أنّ مُطَالَبَـتَهُنَّ بحقِّهِنّ في الميراث عارٌ وأيُّ عارٍ!والَّتِي تَتَجَرَّأ على المطالبة بحقّها تتعرّض لإعْرَاضِ إخوانِها عنها ومقاطعتِهِمْ لها... وما يتبع ذلك من كلام الناس عليها، فتجد الواحدةَ منهُنّ تخضع لِلْعُرْفِ والعادات ولو على مَضَضٍ.وحِرصًا على تبليغ الناس ما فرض الله تعالى عليهم، أطلب منكم أن توجّهوا كلمةً شاملة شافية إلى هؤلاء القوم، حتى يَتَّقُوا اللهَ ويَنْزِلُوا عند حدوده. ثمّ إنّ البعـضَ منهم - تحت سَيْفِ الحياء - يضع الوارثةَ أمام الأمر الواقع فيُوَاجِهُها بالسُّؤَال " هل تريدين نصيبَكِ؟ "، فلا تجد مَنَاصًا من القول أنها لا تريده، هَرَبًا من كلام الناس، فلا يُعَيَّنُ نصيبُها عند القسمة. أليس من باب سدّ الذرائع من عدم القسمة على ما شرع الله لعباده أن يُقْسَمَ الميراثُ كما شرع الله، فيتعَيَّن نصيبُ كلّ وَارِثٍ أوّلا، ثم إن طابت نفسُ المرأة عن شيءٍ من نصيبها لإخوتها أو أعمامها فلها ذلك؟ثم إنّ السماحَ للمرأة بالتنازل عن نصيبها، يُحْرِم وَرَثَتَهَا هي من حقّهم المشروع في الميراث، بتبرعها بأملاكها لغير ورثتها؟أرجوكم أن تعطوا أهمية لهذا الموضوع، لأني أخشى على ناس كثيرين قد صاروا إلى ما نصير إليه، وآخرين أحياء يرزقون، قد تجد الواحدَ منهم يجتهد في الطاعات والعبادات، وهو من الذين تَوَرَّطُوا في حِرْمانِ الوارثة من حقّها، أخشى أن ينالهم وعيد الله سبحانه وتعالى: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)؛ لعدم طاعة الله ورسوله، وعدم النزول عند حدود الله، من أجْل أرْضٍ قد لا تَجِدُ عندنا - لِهَوَانِهَا - مَنْ يَشْتَريها إذا عُرِضَتْ للبيع.وجزاكم الله خيرا عني وعنهم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن ما ذكره الأخ السائل أمر واقع في بعض المجتمعات، حيث لا تتجرأ المرأة على المطالبة بنصيبها من الميراث خشية تعرضها للمقاطعة والهجر من أهلها، أو توبيخهم وكلام الناس فيها، وتتنازل عن الميراث بسبب ذلك. وقد سبق لنا أن بينا أن هذا التنازل لا عبرة به؛ لأنه تنازل عن إكراه. وانظر الفتوى رقم: 97300 بعنوان (التنازل عن الميراث رؤية شرعية اجتماعية)

ونؤكد هنا أن تلك العادة المتبعة في بعض المجتمعات مشابهة لما كان عليه أهل الجاهلية حيث كانوا يحرمون النساء من الميراث بحجة أنهن لا يقاتلن ولا يحمين العشيرة حتى نزل قول الله تعالى { للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } النساء : 7 قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا، فأنزل الله: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ [وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا] } أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله ... اهـ ومثله ما قاله القرطبي في تفسيره :

وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، ويقولون : لا يُعطَى إلا من قاتل على ظهور الخيل ، وطاعن بالرمح ، وضارب بالسيف ، وحاز الغنيمة ، فأنزل الله هذه الآية ردّا عليهم ، وإبطالاً لقولهم وتصرفهم بجهلهم ... اهـ

فالمجتمعات التي تعنف المرأة إن طالبت بحقها من الميراث وتهجرها مجتمعات فيها جاهلية والعياذ بالله، وقد قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .. } النساء : 29 وهذا يدخل فيه أكل ما لا تطيب به نفس صاحبه؛ كما في حال المرأة التي تتنازل عن نصيبها من الميراث خوفا من التعنيف والتشهير من غير أن تطيب نفسها بذلك. قال القرطبي : فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق ، وما لا تطيب به نفس مالكه ، أو حرّمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه ... اهـ

فعلى الجميع أن يتقوا الله تعالى، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يعلموا أن لله تعالى يوما لا ينفع فيه ميراث ولا مال، وسيسألون عن أكل ميراث النساء بالباطل وتعديهم لحدود الله تعالى .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني