الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البكاء والألم الشديد لفقد النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

أريد أن أسأل عمن يبكي على وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتنا هذا، كلما تذكر ذلك يبكي ويتألم تألما شديدا لدرجة تعب البدن من ذلك، فهل يعد هذا ضعف إيمان، لأنه يبكي وهو لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا؟ وهل يعد هذا متنافيا مع الصبر الذي ينبغي أن يكون المؤمن عليه؟ أم أنه يؤجر على ذلك ويعد من المحبة الشديدة للمصطفى صلى الله عليه وسلم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فلا ريب في أن المسلمين لم يصابوا بمصيبة أعظم ولا أجل من فقد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي، فإنها أعظم المصائب. رواه ابن المبارك في الزهد.

فإذا كان الإنسان لا يلام على حزنه على ما يصيبه من مصائب الدنيا فأن لا يلام على حزنه لفقده صلى الله عليه وسلم أولى، قال ابن عبد البر: ونعم العزاء فيه لأمته صلى الله عليه وسلم، فما أصيب المسلمون بعده بمثل المصيبة به وفيه العزاء والسلوى، وأي مصيبة أعظم من مصيبة من انقطع بموته وحي السماء، ومن لا عوض منه رحمة للمؤمنين وقضاء على الكافرين والمنافقين ونهجا للدين؟ وروي عن طائفة من الصحابة أنهم قالوا: ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. انتهى.

ففي استحضار هذه المصيبة العظيمة سلوى وعزاء عن سواها من المصائب، ومجرد حزن القلب ودمع العين لا يعذب الله به ولا ينافي الصبر الواجب، فهذا الفعل لا شك دال على شدة المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم واستشعار عظيم المصيبة بفقده، ولكن لا ينبغي الاسترسال مع هذا الحزن بحيث يضر الإنسان ببدنه، أو يعطل مصالحه، فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هم أعرف الناس بقدره صلى الله عليه وسلم وأشدهم حزنا على فقده صلى الله عليه وسلم، ومع ذا فقد قاموا بأمر الدين بعده خير قيام، وعلموا أن سبيل الاجتماع به اجتماعا لا افتراق بعده هو قفو أثره والسلوك خلفه واتباع هديه في طاعة الله تعالى وتعظيم أمره، فخير لهذا الشخص أن يتبع هدي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في هذا الباب فيعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويعض عليها بالنواجذ راجيا بذلك أن يجمعه الله به في فردوسه الأعلى، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لحق بربه تعالى واستأثر به خالقه للكرامة العظيمة التي أعدها له، فما عند الله خير لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو صلوات الله عليه قد أعطى المجهود من نفسه وبذل في ذات الله تعالى وما زال يبذل حتى فارق أمته وقد تركها على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فالسعيد من وفق لاتباع سنته وتعظيم شريعته، والشقي على الضد من ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني