الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا منح الله للجن قدرات التأثير على البشر

السؤال

لماذا جعل الله القدرة للجن على التحكم فينا والقدرة على رؤيتنا إلخ من قدرتهم على البشر؟ أقصد لماذا لم يكن لهم عالمهم الخاص بدون التدخل في عالم الإنس؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا قدمنا في الجواب عن سؤال مشابه لسؤالك في الفتوى رقم: 31301، أن الله تعالى لا يقال في حقه لماذا يفعل كذا وكذا؟ ولماذا لا يفعل كذا وكذا؟ قال الله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
فلله الحكمة البالغة في ما يخلق ويقدر: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}.
فإذا كان خلق الجن ومكنهم من رؤيتنا بحيث لا نراهم نحن، فهذا أمره ومشيئته وتقديره، وما علينا إلا التسليم والرضا، وليس صحيحا ما ذكرت من أن الجن يتحكم فينا، ونحن لا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا، فلا يعدو أمر الجن أن يكون أذاهم مثل أذى المؤذين من بني آدم وهولآء يدفعون دفعاً حسياً، أما الجن فيدفعون دفعاً معنوياً بالاستعاذة بالله من شرورهم والوقاية بالإذكار والتعوذات بشرط صحة الاعتقاد، وحسن الظن بالله تعالى
ثم إن من أهم أسباب انتشار الشياطين في بلد ما، وتسلطهم على أهله:
1ـ خوف الناس من الشياطين والاستعاذة بهم ونحو ذلك، قال الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً {الجـن:6}.

أي خوفاً ورعباً.

وقال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران:175}.
2ـ ضعف الإيمان وعدم التوكل على الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ { النحل:99-100}.
3ـ عدم الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه بصدق وإخلاص لدفع الشياطين وكيدهم، لأن كيد الشيطان يضعف ويضمحل عندما يلتجئ المرء إلى ربه سبحانه، قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { فصلت: 36}.

وقال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ {سورة الناس}.

فذكر الله والاستعاذة به يعصمان العبد من الشيطان.
4ـ عدم تحصين المنازل بقراءة القرآن والذكر والصلاة ونحو ذلك.
5ـ الوقوع في الكفر والذنوب والمعاصي والمنكرات فيسلط الله عليهم الشياطين، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ { الأنعام :129}.

وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً { مريم:83}.

والعاصي ينال بحسب معصيته ومخالفته من أذى الشياطين.
6ـ تواجد السحرة والكهنة ونحوهم من الدجالين في البلد، فهم أكبر سبب لجلب الشياطين إلى ذلك البلد، لأنهم يتعاملون معهم وينفع بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {الأنعام:128}.

وقد أعطى الله تعالى للناس من الأسباب الشرعية والعملية مايدفعون بها كيد الشيطان، إذا أخذوا بها والتزموها، ومن أهم ذلك التحصن بالتلاوة والذكر، ففي الترمذي وأحمد عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها الحديث، وفيه: وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله.

وعليه بالاستعاذة الدائمة منه في كل حال، وتعويذ الأولاد منه، فالله سبحانه وتعالى يقول: وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون { المؤمنون: 97، 98}.
وفي البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.
وعلى الإنسان أن يكف صبيانه عن الخروج بداية الليل حفظاً لهم من الشياطين، ففي الصحيحين عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استجنح الليل، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين حينئذ تنتشر، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم.
وعليه بإغلاق الأبواب، وتغطية الآنية والأسقية ليلاً، ففي مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاءً، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناءً، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله عليه فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم.

الفويسقة: الفأرة.
فأنت إذا برمجت حياتك اليومية حسب طاعة الله مع الالتزام بالتحصينات الربانية ستعيش محصنا من شر الشياطين ـ إن شاء الله تعالى ـ فإذا وسوس الشيطان لك في صلاتك ـ مثلا ـ فلتستعذ بالله ولتتفل على يسارك ثلاثاً، فقد أخرج مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنْزَب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.
وعليك بالمداومة على ما ورد من ذكر يحرز من الشيطان، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك.
وعليك بما ورد في السنة من أذكار الطعام والنوم والاستيقاظ منه، وأذكار الجماع، وأذكار دخول الخلاء وأذكار الدخول والخروج من المنزل، فإن كل ذلك يقيك من الشيطان، والمداومة على ذكر الله حصن حصين من الشيطان، وأكثر من قراءة سورة البقرة خصوصاً الآيتين الأخيرتين منها، وأكثر من تكرار آية الكرسي، لما في الصحيحين في قصة أبي هريرة عندما وُكل بحفظ الطعام ـ صدقة رمضان ـ وفيه: فقال ـ أي الشيطان: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق وهو كذوب ذاك شيطان.
وفي مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.
وفي الحديث: اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم.
والبطلة: السحرة.

وفي الحديث: أن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات ـ وصححه الألباني.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني