الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التغاضي عن المنكرات التي يفوت استدراكها.. رؤية شرعية

السؤال

ما حكم شخص علم بالقتل، ولكن تغاضى عن هذا الموضوع، لأنه توقع أن يكون الأمر مجرد مزحة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:

فالأصل أنه يشترط في المنكر الذي يجب إنكاره أن يكون ظاهرا من غير تجسس، وأن يكون قائما في الحال، كما سبق ذكره في الفتوى رقم: 124424.
وجاء في الموسوعة الفقهية في عد شروط الإنكار: أن يكون المنكر موجودا في الحال بأن يكون الفاعل مستمرا على فعل المنكر، فإن علم من حاله ترك الاستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل، وهو احتراز عن الحسبة على من فرغ من شرب الخمر، واحتراز عما سيوجد، كمن يعلم بقرينة الحال أنه عازم على الشرب في ليلة فلا حسبة عليه إلا بالوعظ ، وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه أيضا، فإن فيه إساءة ظن بالمسلم، وربما صدق في قوله، وربما لا يقدم على ما عزم عليه لعائق. اهـ.
وهذا ظاهر في المنكرات التي لا يفوت استدراكها، وأما المنكرات التي يفوت استدراكها، مثل أن يخبره ثقة أن رجلًا خلا برجل ليقتله، فهذا يلزمه التقصي والتجسس والبحث، بل واقتحام الدور ونحو ذلك، مما يمنع وقوع هذا المنكر الذي لا يُستدرك، قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتك الأستار حذرًا من الاستتار بها، فإن غلب على الظن استمرار قوم بها لأمارات دلت، وآثار ظهرت، فذلك ضربان:
أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا بامرأة ليزني بها، أو برجل ليقتله، فيجوز له في مثل هذه الحالة أن يتجسَّس ويقدم على الكشف والبحث، حذرًا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم، وارتكاب المحظورات.
والضرب الثاني: ما خرج عن هذا الحد وقصر عن حد هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه. اهـ.
ومثل هذا المنكر إذا لم ينزجر صاحبه إلا برفع أمره إلى السلطان رفع أمره إليه، قال الرملي في نهاية المحتاج: إن غلب على ظنه وقوع معصية, ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له, بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كالقتل والزنا وإلا فلا، ولو توقف الإنكار على الرفع للسلطان لم يجب، لما فيه من هتك وتغريم المال؛ قاله ابن القشيري: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزجر إلا به، وهو الأوجه, ثم رأيت كلام الروضة وغيرها صريحا فيه. اهـ.
وقال الجاوي في نهاية الزين: وَلما لم ينزجر إِلَّا بِالرَّفْع للسُّلْطَان وَجب. اهـ.
وقال القرافي في الفروق: قال بعض العلماء: لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون ملابسه عاصيا، بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع، أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول. اهـ.

وراجع للمزيد عن ذلك الفتوى رقم: 54256.
وعلى ذلك، فإن علم هذا الشخص باحتمال وقوع القتل، وغلب على ظنه ذلك ولو لم يصل إلى درجة اليقين، ولم يكن هناك من يعلم بذلك غيره، فقد وجب عليه السعي لمنع هذا المنكر، بمنع القاتل من ذلك، أو بتحذير من يراد قتله، أو غير ذلك، بحسب إمكانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا غلب على ظنه أن غيره لا يقوم به تعين عليه ووجب عليه ما يقدر عليه من ذلك، فإن تركه كان عاصيا لله ولرسوله. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 19271.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني