الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين الأمر بالبر بالوالدين المشركين والنهي عن موالاتهما

السؤال

كيف نجمع ونوفق بين قوله تعالى في الوالدين المشركين: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. وقوله أيضاً في الوالدين: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. وقد قرأت أن الكافر له حق القرابة والصلة دون الموالاة. فهل هذا يعني أن المصاحبة في الدنيا معروفاً والبر والصلة شيء والموالاة شيء آخر ؟ وهل تعني الموالاة في الآية السابقة المتابعة والموافقة والمناصرة على الباطل بدليل قوله تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي ؟ وما هو الفرق بين البر والصلة وبين الموالاة. أرجو التوضيح والتفصيل للأهمية ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يجمع بين الآيتين بمشروعية التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف دون موالاتهما وطاعتهما فيما يريدان من الشرك ومعصية الله تعالى، فقد أوجب الشرع البراء من المشركين والولاء لله سبحانه بأن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا. (الممتحنة:4). وكما قال سبحانه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ. (المجادلة:22).

قال الجصاص في أحكام القرآن: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. فيه نهي للمؤمنين عن موالاة الكفار ونصرتهم والاستنصار بهم وتفويض أمورهم إليهم، وإيجاب التبري منهم وترك تعظيمهم وإكرامهم، وسواء بين الآباء والإخوان في ذلك إلا أنه قد أمر مع ذلك بالإحسان إلى الأب الكافر وصحبته بالمعروف بقوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه إلى قوله وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا. اهـ

وقال ابن كثير رحمه الله: أي : إن حَرَصَا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما: فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما، ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) يعني : المؤمنين. انتهى.
فالبر بالوالدين والمصاحبة بالمعروف كالقول اللين وعدم التعنيف، وعدم التأفف وعدم الزجر، والإحسان إليهما بالمال والإعانة والخدمة مشروع كما قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. (الممتحنة:8).

وفي الصحيحين عن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت على أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك.

وبهذا يتبين أن الموالاة والنصرة والمحبة تختلف عن البر والإحسان إلى الكافر القريب أو الوالد، وينبغي التنبه إلى أن الممنوع هو المحبة الدينية، أما محبة الوالد أو القريب الكافر إذا لم تكن لدينه، بل لقرابته فهذه المحبة الطبيعية التي تمليها الجبلية البشرية والفطرة الإنسانية ـ لا تحرم، إلا إنه يجب أن يصاحبها البغض له في الدين والبراءة من كفره، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 128403.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني