الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا صحة لما ينشر من صور على أنها لبيت النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

ما هو حكم من يزعم أنه صور بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟علما بأن هنالك صورا كثيرة انتشرت في هذه الأوقات تبين من خلالها أغراض النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فلا تثبت صحة هذه الصور، وبعضها يقطع بكذبه، وراجعي الفتوى رقم: 52266.

ثم على فرض ثبوت ذلك ومعرفة مواضعه فلا بد من الحذر من خطوات الشيطان في تعظيم الآثار ليؤدي بها إلى مظاهر الشرك، وقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن المعرور بن سويد قال: كنت مع عمر بين مكة والمدينة، فصلى بنا الفجر، فقرأ: ألم تر كيف فعل ربك، ولإيلاف قريش، ثم رأى أقواما ينزلون فيصلون في مسجد، فسأل عنهم فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من مر بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليصل وإلا فليمض.
وعقد ابن وضاح في البدع بابا لما جاء في اتباع الآثار، وروى فيه أثر عمر هذا، وأثره في قطع شجرة بيعة الرضوان، ثم قال: وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحداً، فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أَبي قبيس، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أَحد من الأَئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة والمشاعر ـ عرفة ومزدلفة والصفا والمروة ـ وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى، مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال أنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك، فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك، بل هو بدعة. اهـ.
وللشيخ المحدث عبد المحسن العباد رسالة في التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة.
وقد ذكر الشيخ عبدالرحمن السحيـم عضو مكتب الإرشاد عن موضوع هذه الصور، حيث قال: كنت عقبت منذ أكثر من سنة تقريبا حول بعض الصور، فقد انتشرت بعض الصور ويزعم ناشروها أنها لبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحة لما يُزعم أنه صور بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لا صحـة لما ذُكر لأسباب منها:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له في حجة الوداع: يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع، أو دور ـ متفق عليه، وفي رواية للبخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: وهل ترك لنا عقيل منزلا، ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم تبقَ له دار قبل فتح مكة وقبل حجة الوداع، فكيف بعد فتح مكة؟ فكيف تبقى إلى الآن؟.
ثانياً: وجود المحراب في المصلى، والمحراب لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أين السند الصحيح على أن هذا هو بيته صلى الله عليه وسلم؟ فما يُزعم أنه بيته، أو شعره، أو سيفه كل هذا بحاجة إلى إثباته عن طريق الأسانيد الصحيحة، وإلا لقال من شاء ما شاء، فمن الذي يُثبت أن هذا مكان ميلاد فاطمة رضي الله عنها؟ وأن هذه غرفة خديجة رضي الله عنها؟ وما أشبه ذلك.
رابعاً: أنه لو وجد وكان صحيحا لاتخذه دراويش الصوفية معبدا ولاشتهر بين الناس، كما يفعلون عند مكتبة مكة ـ شرق الحرم ـ يزعمون أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها، فهم يأتونها ويتبركون بها !!.
خامساً: عدم اهتمام الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بحفظ مثل هذه الآثار، بل عدم التفاتهم إليها، فقد بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقُطعت، رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وهذا يدل على أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم يكونوا يهتمون بآثار قدم، أو منزل، أو مبرك ناقة ونحو ذلك، ومثل ذلك يُقال عما يُزعم أنه شعرة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو موطئ قدمه، أو وجود سيفه، أو ما يُزعم أنه الصخرة التي صعد عليها النبي يوم أحد لما أُصيب، حتى زعم بعضهم أن حجرا بقرب جبل أُحد هو مكان طاقية الرسول صلى الله عليه وسلم!! وأين إثبات هذا بالأسانيد الصحيحة؟. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني