الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماهية الأحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال

السؤال

ما رأيكم في القاعدة: ليس مكروها ولا حراما ترك حكم شرعي واضح ولا أن لا يعمل بهذا الحكم لتغير الزمان وحال المجتمع إذا كان في ذلك مصلحة عامة تقتضي ذلك؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فلم نسمع عن قاعدة لأهل العلم بهذا اللفظ، والواجب على المسلم هو أن يقول سمعنا وأطعنا لأمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً {الأحزاب:36}.
فهذه التشريعات الربانية قد صدرت من اللطيف الخبير الذي يعلم من خلق، وما يناسب خلقه في كل زمان ومكان، فلو كان هذا التشريع لزمان دون زمان، أو لمكان دون مكان، لبين ذلك في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما ما كان مستنده العرف مثل بعض أمور المعاملات فيمكن تغيرها بتغير الزمن والمكان والأحوال.

قال الدكتور عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة: الفتوى قد تتغير بتغير المكان والزمان وهذا إذا كان الحكم الشرعي مبنياً على عرف بلد وتغير هذا العرف ولم يكن العرف الجديد مخالفاً للنص الشرعي، أو كان الحكم الشرعي مبنياً على معنى معين وتغير ذلك المعنى، كما في صدقة الفطر، فقد جاء الحديث الشريف بإخراج صاع من تمر، أو شعير، أو زبيب، أو أقط، وقد قال العلماء: يجوز إخراج صدقة الفطر من الذرة، أو الأرز، أو غيرهما إذا كانت هذه الأصناف غالب أقوات البلد، وعلّل العلماء ذلك بأن الأصناف الواردة في الحديث الشريف إنما جاءت، لأنها كانت هي غالب أقوات أهل المدينة ولم تأت على سبيل الحصر والتخصيص، وكذلك إذا كان الحكم الشرعي وارداً بالنسبة لمكان معين وزمان معين فيجب الإفتاء فيه في ذلك المكان والزمان دون الإفتاء بالحكم العام، كالسرقة الحد فيها هو قطع اليد وهذا هو حكمها العام، ولكن السرقة في الغزو في أرض العدو حكمها عدم القطع هناك ولزوم تأجيل إقامة الحد، لورود الحديث الشريف: لا تقطع الأيدي في الغزو ـ وكذلك إذا كان الحكم ملحوظاً فيه تحقيق غرض معين ورأى الفقيه المفتي أن هذا الغرض لا يتحقق في موضوع الاستفتاء فلا ينبغي أن يفتي به، مثل أن يستفتيه أحد في إزالة منكر معين باليد ورأى الفقيه أن إزالته يترتب عليه شر ومنكر أكبر من المنكر القائم فينبغي له أن لا يفتيه بالحكم العام وهو إزالة المنكر باليد ما دام المفتي يرى ترتب منكر أكبر من المنكر المزال، وهذا باب واسع يعتمد على فطنة المفتي وملاحظته الأحوال والأمكنة والأزمنة والظروف وحالة المستفتي. اهـ.
وقال الشيخ علي حيدر في درر الحكام شرح مجلة الأحكام تحت قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان: إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة، لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس, وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة، وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا, بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير، مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل، فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني