الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بطلان القول بأن مشيئة العبد تسبق مشيئة الله

السؤال

قرأت مقالا للمستشار: أحمد عبده ماهر ـ يتحدث فيه عن مشيئة العبد ومشيئة الله يقول فيه: للعبد مشيئة، ولله مشيئة، ولا تبدأ مشيئة الله إلا بعد مشيئة العبد، وفي ذلك يقول تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً الإنسان:30ـ ولا تسبق مشيئة الله مشيئة العبد، فما رأيكم في هذا الكلام؟ والسؤال الثاني: ما الفرق بين إن شاء الله وبإذن الله؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلام صاحب هذا المقال كلام باطل منكر، والآية التي ذكرها دليل على نقيض قوله، فإن الله تعالى خلق للعبد مشيئة بها تكون أفعاله، ولكن هذه المشيئة تابعة لمشيئته تعالى كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وبها نطق القرآن المجيد، فمشيئة الله سابقة على مشيئة العبد، فلا يشاء العبد إلا ما شاءه ربه تبارك وتعالى، قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ـ أَيْ لَيْسَتِ الْمَشِيئَةُ مَوْكُولَةً إِلَيْكُمْ فَمَنْ شَاءَ اهْتَدَى وَمَنْ شَاءَ ضَلَّ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ تَابِعٌ لمشيئة الله تعالى رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ـ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: الْأَمْرُ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ، فأنزل الله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. اهـ

وقال القاسمي ـ رحمه الله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ـ أي وما تشاءون شيئا من فعالكم، إلا أن يشاء الله تمكينكم من مشيئتكم، وإقداركم عليها، والتخلية بينكم وبينها، وفائدة هذا الإخبار، هو الإعلام بالافتقار إلى الله تعالى، وأنه لا قدرة للعبد على ما لم يقدره الله عزّ وجلّ، فهو خاضع لسلطان مشيئته، مقهور تحت تدبيره وإرادته. انتهى.

ويطول جدا بسط كلام العلماء في هذا المعنى، وتقرير العقيدة الحقة في باب القدر، وأن العبد لا حجة له على الله، بل لله الحجة البالغة على جميع خلقه، وإنما المقصود بيان خطأ قول هذا القائل، وأنه استدل على غلطه بما هو دليل عليه، وأما قول القائل: إن شاء الله ـ وقوله: بإذن الله ـ فمؤداهما واحد، وليس بينهما كبير فرق في المعنى. فإن قوله: إن شاء الله. جملة شرطية تدل على تعليق حدوث هذا الفعل على مشيئة الرب تعالى، والتقدير إن شاء الله أن يكون هذا الأمر فإنه يكون، وقوله: بإذن الله ـ جار ومجرور متعلق بالجملة الاسمية أو الفعلية التي يدل عليه السياق، وكأن التقدير، هذا الأمر يكون بإذن الله أو هذا الأمر كائن بإذن الله، فإن أذن إذنا كونيا بحصوله حصل وإلا لم يحصل، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني