الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهة حول منع علي من الزواج على فاطمة والرد عليها

السؤال

لدي سؤال جعلني في حيرة من أمرني، وأسأل الله أولا ثم بعلمكم أن تفيدوني وهو حديث اعتراض رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي ـ رضي الله عنه ـ من الزواج من بنت أبي جهل المسلمة، والسؤال هنا: لماذا اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم والله جل في علاه قد أحل الزواج من أربع ومن الكتابيات غير المؤمنات؟ وإن كان السبب هو الجمع بين بنت عدو الله وبنت رسول الله، فالقرآن الكريم يعارض هذا بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأيضا الكثير من قصص القرآن تخبرنا أنه كان هناك في البيت الواحد عدو لله ورسول لله جل في علاه، وإن كان السبب هو الخوف على مشاعر فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أو الخوف على دينها فمن باب أولى أن نخاف على بناتنا أن يفتنوا في دينهم مادامت أفضل نساء العالمين خشي عليها أن تفتن في دينها وينتهي التعدد! أرجو من فضيلتكم التوضيح وأسأل الله العلي القدير ذا العرش المجيد أن يجزيكم خير الجزاء على ماتقدمونه للإسلام والمسلمين

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا علمت أن أذية الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب، وأن فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بضعة منه صلى الله عليه وسلم يؤذيه ما يؤذيها، كما جاء في الصحيحين وغيرهما: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها.
إذا علمت ذلك وعلمت أن جمع بنت أبي جهل معها يؤذيها زالت عنك الحيرة، واتضح لك هذا الإشكال،
ويوضح ذلك ما ذكره أهل العلم في هذا الموضوع، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء في هذا الحديث: تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو حي وهذا بخلاف غيره، قالوا وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه و سلم لست أحرم حلالا، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين إحداهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من أذاه فنهي عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة، والثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع.

وفي كشف المشكل لابن الجوزي: وقوله لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ـ المعنى: إن هذا وإن جاز فما يقع وكأن قوله: والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ـ من جنس قول أنس بن النضر: والله لا يكسر سن الربيع ـ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو أقسم على الله لأبره ـ ويحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شرط على علي عليه السلام حين زوجه فاطمة ألا يتزوج عليها، والشرط في مثل هذا صحيح ولهذا قال: لا آذن، وهذا الوجه أولى من الأول، ويدل عليه أنه أثنى على أبي العاص زوج ابنته زينب وشكره.

وجاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا على القاري: قال ابن داود: حرم الله على علي أن ينكح على فاطمة في حياتها، لقوله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ـ فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا آذن لم يكن يحل لعلي أن ينكح على فاطمة إلا أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت عمر بن داود يقول لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ـ حرم الله على علي أن ينكح على فاطمة ويؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله.

وبذلك تعلم أن هذا المنع خاص بفاطمة في حياتها خشية أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما تتأذى فاطمة بهذا الزواج، أو لشرط ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقد لفظا أو ضمنا، وعلى كل، فهذا المنع من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحريم حلال، كما جاء مصرحا به في الحديث، وانظر الفتوى: 36803.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني