الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إقامة مشروع بمال مسروق

السؤال

كسبت مالا من خلال سرقة بطاقات ائتمانية وتحويل أموال من الانترنت من أمريكا، ومن أشخاص غير مسلمين، ولايمكنني رد المال إليهم لاستحالة الوصول إليهم، لأني تبت ومسحت جميع بياناتهم، ولازلت أملك بعض المال وأريد عمل مشروع حتى يعينني على الرزق لأن ظروف الحياة صعبة. فهل يمكنني عمل مشروع والانتفاع بأرباحه وصرف رأس المال الحرام في مصالح المسلمين بعد أن يتم الربح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجب عليك التخلص من هذا المال بعد أن حصل اليأس من الوصول إلى أصحابه بصرفه في منافع المسلمين العامة أو دفعه إلى الفقراء والمساكين، وإذا كنت فقيرا جاز لك أن تأخذ منه بقدر حاجتك فقط.

جاء في فتاوى ابن حجر الهيتمي ما يلي: وَسُئِلَ عن مَغْصُوبٍ تَحَقَّقَ جَهْلُ مَالِكِهِ هل هو حَرَامٌ مَحْضٌ أو شُبْهَةٌ، وَهَلْ يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فيه كَاللُّقَطَةِ أو كَغَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فيه ما دَامَ مَالِكُهُ مَرْجُوَّ الْوُجُودِ، بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ قَاضٍ أَمِينٍ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَالِمٌ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَيِسَ من مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ صَارَ من جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كما في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فإنه قال ما مُلَخَّصُهُ: من معه مَالٌ حَرَامٌ وَأَيِسَ من مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ وَلَيْسَ له وَارِثٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ في الْمُصَالَحِ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ على فَقِيرٍ أو فُقَرَاءَ. وَيَتَوَلَّى صَرْفَهُ الْقَاضِي إنْ كان عَفِيفًا وَإِلَّا حَرُمَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ وَضَمِنَهُ الْمُسْلِمُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا من أَهْلِ الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا فَإِنْ فَقَدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَأَخْذُ الْفَقِيرِ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ حَلَالٌ طَيِّبٌ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ على نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى من يَتَصَدَّقُ عليهم، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ منه قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنُقِلَ عن مُعَاوِيَةَ وَأَحْمَدَ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمْ من أَهْل الْوَرَعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا رَمْيُهُ في الْبَحْرِ فلم يَبْقَ إلَّا مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وإذا كنت فقيرا وتقدر على عمل مشروع يدر عليك ربحا فلا بأس أن تأخذ من هذا المال ما يكون لك رأس مال فيه، وراجع الفتوى رقم: 128316 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني