الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يترك حضور الخطبة لأنها لا تتعرض لمآسي المسمين؟

السؤال

أصبحت خطب الجمعة في بعض ديار المسلمين لا تمس حال المسلمين فثلاثة أسابيع قاسية مؤخرا بفلسطين ولا يذكر اسم فلسطين أو لعن اليهود في المنابر ألبتة، فهل يجوز الاقتصار على حضور فريضة الجمعة فقط دون حضور الخطبة؟ حيث إن مواضيع الجمعة تناقش بها أمور راكدة كخطورة السرعة بالسيارة ومشاركة الزوجة بتصريف المال وأمور أخرى يعيها الشاب دون سن المراهقة وحال المسلمين تقتيل وتشريد، حيث إني أحس بضيق شديد لدرجة أني كدت أصرخ في وجه خطيب الجمعة الماضية ولا أحتمل أكثر من ذلك فهل لي حضور وقت الصلاة فقط ـ ركعتي الفرض ـ؟ وجزاكم الله خيراً ونفع بكم البلاد والعباد .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنه لا يشرع ترك حضور خطبة الجمعة من أجل ما ذكر، لأن الله تعالى أمر بالسعي إليها، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9] .
قيل: إن المراد بذكر الله فيه: هو الخطبة، وقيل: صلاة الجمعة.
قال الإمام الكاساني في (بدائع الصنائع 1/57): (وكل ذلك حجة، لأن السعي إلى الخطبة إنما يجب لأجل الصلاة، بدليل أن من سقطت عنه الصلاة لا يجب عليه السعي إلى الخطبة، فكان فرض السعي إلى الخطبة فرضاً للصلاة، ولأن ذكر الله يتناول الصلاة، ويتناول الخطبة من حيث إن كل واحد منهما ذكر الله تعالى).
ثم إنه لا يعدم الحاضر للجمعة خيراً، فقد يستمع إلى آية أو حديث أو فائدة أو حكم شرعي أو موعظة ترغبه في خير أو ترهبه من شر فيستفيد في دينه ودنياه، ولا ينبغي للمستمع أن يجلس جلسة الناقد فيرى المعايب ويتغاضى عن المحاسن، بل عليه أن يجلس في بيت الله متواضعاً متأدباً يلتقط الحكم والفوائد، ويتغاضى عن كل عيب وسقط، وما ينبغي لإمام أن يتجاهل ما يجري في فلسطين ولا غيرها من بلاد المسلمين، بل عليه أن يسعى إلى شحذ الهمم، وحض الناس على الإنفاق في سبيل الله، وبذل كل ما في وسعهم من أجل إيقاف نزيف دماء إخوانهم في فلسطين، وأن يسعوا في سبيل ذلك بكل ما أوتوا من وسائل أذن الشارع الحكيم في اتخاذها.
وعلى أئمة المساجد أن يحيوا سنة قنوت النوازل، فيسألوا الله جل وعلا إهلاك الأعداء، وإنقاذ المستضعفين، وأن ينصر الإسلام وأهله، وأن يخذل الكفر وأهله.
ومع هذا فإنه ينبغي لنا ألا نعنف من لم يفعل ذلك منهم، ولننبهه برفق على أنه ما كان ينبغي له السكوت عما يتم من تنكيل وتشريد وتقتيل وإذلال لإخوانه في فلسطين وفي غيرها، فإن هو استجاب لذلك فذلك المطلوب، وإن لم يستجب فلكم أن تسعوا في استبداله بغيره إذا لم يؤد ذلك إلى تفرق جماعة المسجد، فإن أدى إلى تفرقها فمصلحة الاجتماع مقدمة، واسعوا أنتم في المجالس وحلقات العلم إلى تدارس ما يمكن فعله من أجل التخفيف من محنة إخوانكم في فلسطين وفي غيرها، وينبغي التنبه إلى أن هذا الإمام قد يكون من الذين يرون أن إصلاح أخلاق الناس وأحوالهم هو السبب الرئيسي والعلاج الفعال لتحقيق وعد الله بنصر هذه الأمة، وهذا ليس محل خلاف، لكن كان عليه أن يضم إلى هذا التذكير بحال الأمة وما تمر به من أزمات ووضع الحلول الشرعية لذلك، وعلينا أن نقر بأن جهاد النفس قد رسب فيه كثير من المسلمين في زماننا، فكثير منهم يحسن النقد للأوضاع بإتقان واقتدار، ثم لا يفكر أن يجاهد نفسه فيلزمها طريق الاستقامة، فالعلاج لأحوالنا وتحقيق النصر لأمتنا يبدأ من هنا... من إصلاح النفس والأسرة والمجتمع وربط القلوب بربها، ولكن كثيراً من الناس يطربه أن يستمع إلى الخطب الحماسية ثم لا يمنعه ذلك أن يشاهد فيلماً خليعاً أو أن يستمع إلى أغنية ماجنة، لذا فننصح السائل بأن لا يكون من الذين ينتقدون ويأخذون على الأئمة أكثر مما يأخذون على أنفسهم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني