الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل تتعلق بالحقوق الفكرية والابتكارية

السؤال

عند قراءتي لفتوى نسخ برامج الكمبيوتر، ذكرتم: ما لم يؤد ذلك إلى القسم الكاذب.
هل القسم الكاذب الذي تقصدونه عند استعمال البرامج المنسوخة هو الحلف بالله تعالى؟ يعني هل القسم الكاذب يجب أن يحتوي على عبارة "والله" بالضرورة ليكون قسما كاذبا.
وبالتالي، عند تنصيب برنامج الكمبيوتر نجد شروطا من بينها: أن لا نستعمل كلمات عبور غير مشتراة، ثم أنت تضغط على زر أنا موافق، فهل هذا قسم كاذب فهو ليس فيه عبارة: و الله؟
مثال: برنامج كمبيوتر يظهر لك قبل تنصيبه عقد استخدام. لا يمكن لأي شخص تنصيب هذا البرنامج و استخدامه إلا بضغط زر الموافقة أي أن الذي سيقوم بتنصيب البرنامج موافق على شروط العقد. من بين شروط العقد: لك الحق أن تستعمل البرنامج ثلاثين يوما مجانا، و بعد انتهائها يجب عليك إما أن تمحو البرنامج أو أن تشتريه. فهذا عقد لا يحتوي على عبارة: والله إني موافق على شروط العقد. فهل هذا يعني أنه ليس بقسم كاذب إذا ما خالفت شروط العقد لعدم وجود كلمة: "والله"؟
من بين الشروط أيضا :لا يجب عليك الكشف عن الأرقام السرية للبرنامج بالهندسة العكسية و توزيعها على الناس.
إذا اعتبرنا حسب السؤال الفارط أن مخالفة الشروط مع الموافقة ليست بقسم كاذب، إذن يجوز تحميل الأرقام السرية للبرامج من المنتديات و استعماله في البرنامج عملا بمن يجيزون نسخ البرامج للاستعمال الشخصي.
ملاحظة هامة جدا: كل البرامج التي نستعملها غير أصلية و كلنا نستخدمها بالكراك، والبرامج الأصلية غير متوفرة ببلدي، و إمكانية شراء الأصلية غير وارد.
و أغلب البرامج تحتوي عقودا تحتوي شروطا كالذي ذكرته في الأعلى.
لذلك، أنا أقول لكم سواء أقلتم بأن ذلك قسم كاذب أو قلتم هو ليس بقسم كاذب، حرام أو حلال، سأواصل استخدام البرامج المنسوخة حتى بهذه الشروط!!
و إنما ذكرت هذا، حتى ألفت انتباهكم بشدة و أضعكم في الواقع و في مكاني لعلكم تجدون لنا عذرا في استخدام هذه البرامج المنسوخة، إذ لا طريقة غير التي ذكرت، و كما يقول المثل: لا يحس بالجمرة إلا من يمشي عليها. فيسروا.
ملاحظة أخرى: أنا أرى أنكم تقومون بدور "المعرقل"! أنظر كم من أسبوع و أنا أنتظر حتى أسأل السؤال و أجد الإجابة عنه و حتى أعيد السؤال مرة أخرى محاولا إقناعكم و أخسر في كتابته ساعة إلا ربع، في حين أن غيري بدأ يتعلم استخدام البرنامج و تقدم علي و لعله أصبح محترفا!
فعودوا إلى الواقع و كفانا من الفتاوى "المثالية" التي لا تقبل التطبيق في الواقع و التي لا يقبلها عقل و توتر الجهاز النفسي للإنسان.
ملاحظة أخرى: أصدروا فتاويكم حسب حال البلدان و واقع الشعوب، كل بلد له حال خاصة، و حسب الزمان، بلد فيه النساء أغلبهن متحفظات، و آخر أغلبهن متبرجات، زمن فيه النساء أغلبهن متحفظات، و آخر أغلبهن متبرجات. زمن فيه الموسيقى غير موجودة، و آخر الموسيقى فيه منتشرة.
ففي البلد و الزمن السيء، يجب عليكم أن تلتمسوا احتياجات الناس و الضرورات التي يقعون فيها كالنظر للمعلمة للتعلم، و التفرج على البرامج الوثائقية الأجنبية حتى يتحرك العقل بما فيها من موسيقى تتزامن مباشرة مع التعليق و بما فيها من تبرج. يا أخي في الله، يسروا و لا تعسروا، يسروا و لا تعسروا، يسروا و لا تعسروا.
النبي صلى الله عليه و سلم غضب من ناس اقترحوا على رجل أن يغتسل بعد أن أصيب بحجر في رأسه حتى مات. تذكر: غضب و لم يفرح..
فلا يليق أن تعطوهم فتاوي ينعزلون بها و تبعدونهم عن واقعهم و لا تقبلها عقولهم. و فتاوى نعاكس بها سكان بلد كامل كعيد ميلاد و الأعياد الوطنية و الكرة، و لا مشاهدة أخبار و لا زيارة أعراس، و ترك الدراسة بسبب الاختلاط و النظر، و لا حديث مع الناس إلا لنهيهم عن المنكر أو لا يجوز الحديث، و منع الخلوة داخل غرفة الطبيب ووو حتى أنه الذي أقول له هذه الأشياء يقول لي:"كيف ستعيش؟!؟!"
تعالوا إلى هنا و تعرفوا على الواقع، فإن ركبت في تاكسي، كم من شىء ستنهى عنه؟ هو يخالف قواعد الطريق بشذوذ أغلبهم، الراديو يشتغل و كل إذاعات الراديو فيها موسيقى، ثم يأخذ سيجارة و يدخن، ثم يقول كلاما بذيئا، ثم يسب سائق عربة، ثم تصعد فتاة متبرجة بجانبك، ثم يسخر من فلان، ووو
أنت بهذه الطريقة كلما التقيت شخصا ستشرع في النهي عن المنكر ، و ربما لن يكفيك الوقت لتنتهي من ذلك و لا وقت بعد ذلك للاستماع لحديثه ولعله يسأم منك أو يرفضك..
ألا تعتقدون أنكم هكذا تكونون عقول جامدة و غبية، و أنكم عرضتم التقي ليكون أجهل و أفقر الناس، نعم فقد ساد اعتقاد في مجتمعنا أن التقي دائما شقي و هو دائما فقير، و إن أردت أن تصبح غنيا فعليك أن تتشيطن و أصبحت تلك منزلة يتمناها الناس..
كما أن كل الأطفال يشاهدون قنوات الرسوم المتحركة التي لا تخلو من موسيقى و مخالفات أخرى. بالله كيف ستمنعه من ذلك؟ أليس من بقية الأطفال؟ أم تحبسه داخل المنزل هو الآخر؟؟!!.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمقصود بالقسم الكاذب صيغة اليمين التي توجد في وثيقة الإذن في بعض البرامج، فيشترط أصحابها للإذن فيها أداء قسم، وقد لايوجد ذلك في بعض البرامج، والقسم يكون بالله أو بصفة من صفاته، وما ذكرته ليست فيه صيغة قسم، لكن عدم وجودها في بعض البرامج لا يبيح الاعتداء على حق أصحابها ما لم يأذنوا في ذلك، وهذا هو مقتضى العدل والتسامح. لأن هذه حقوق مملوكة وبذل أصحابها أموالاً وجهوداً لإنتاجها وإخراجها، فنسخها إبطال لهذه الحقوق، وإهدار لهذه الأموال والجهود، فلو أبيح الاعتداء على حق الغير مطلقا فيكف سيكون الحال.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع، أو الابتكار هي حقوق خاصة، لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها.

وقد جاءت النصوص الشرعية ناطقة بذلك؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وصححه السيوطي. وقوله صلى الله عليه وسلم: لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه. أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: من سبق إلى مباح فهو أحق به. رواه أبو داود وصححه الضياء المقدسي.

وأما مسألة الحاجة أو الضرورة فلها استثناءات لكن لا يمكن جعلها قاعدة عامة وهي تقدر بقدرها شرعا، ومن هنا فقد أفتى بعض العلماء بجواز النسخ للنفع الشخصي كالتعلم دون التكسب والمتاجرة . ولا يمكن الحكم على الأمور والنظر إليها من زاوية مصالحنا الخاصة؛ بل للشارع مقاصد قد ندركها وقد لا ندركها لقصور عقولنا وإدراكنا، وقد قالت قريش لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بتحريم ما كان مألوفا لديهم من المنكرات إنه يضيق على الناس بتحريم الخمر والزنا وعبادة إله واحد. فهل كان ذلك تضييقا حقا أم توسعة ورشدا؟ وقد عنيت الشريعة الإسلامية بالعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه. ثم إنه قد صدرت عنا فتاوى تراعي الحالات الخاصة وتجيز النسخ في بعض الصور بضوابط معينة كالفتويين: 6421/ 157787
وكثرة المنكرات وفشوها في المجتمع لايغير من حقيقتها شيئا، وعلى المصلحين إنكار ما قدروا على إنكاره وما عجزوا عنه أنكروه بقلوبهم ولم يرضوه؛ للحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. كما رواه مسلم وغيره. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . ومراعاة رضا الخالق ولو بما يسخط المخلوقين أولى. من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. رواه ابن حبان في صحيحه. وقد ذم الله في محكم كتابه الذين يهابون الناس ويخافون الخلق ولا يخافون من الخالق ولا يستحيون منه. قال سبحانه: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (النساء: 108).

وأما قولك إنك لاتبالي سواء أكان نسخها محرما أو مباحا فستقدم عليها. فما كان لك أن تقول ذلك، فشتان بين من يقدم على المعصية وهو كاره لها لكن غلبته نفسه الأمارة بالسوء واستهواه الشيطان إليها أو يفعل الأمر متأولا للخلاف فيه ونحوه، وبين من يقدم على المعصية مجاهرا بها متبجحا بعملها. ولذا ورد في الحديث: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ. متفق عليه من حديث أبي هريرة. فاستغفر الله من ذلك القول ولو عصيت ربك وخالفت الأوامر وأقدمت على المحرمات فلا تقدم عليها وأنت متبجح بها لعل الله يغفر لك ذنبك ويستره عليك، ففرق بين من يقول سمعنا وعصينا والذي يقول سمعنا وأطعنا. قال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. (الأحزاب:36). والواجب على المسلم إذا سمع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يظهر السمع والطاعة، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. [النور:51].
وقد بين الله جل وعلا أن من صفات اليهود الذميمة قولهم: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:46].
نسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن لايزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا للإيمان إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله تعالى أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني