الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب طاعة الوالدين إن أمراه بعدم لبس القميص في المعهد

السؤال

أخي متمسك بلبس القميص في المعهد باعتبار أنه كان أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم، و لكن أبي و أمي معارضان لذلك لأن النظام الداخلي للمعهد يمنع ذلك، و قد حدث أن استدعى المدير أخي بسبب لبسه للقميص. و سبب ذلك أن في بلدنا اللباس المعتاد للرجال هو السروال. أريد أولا أن أعرف هل كان القميص محببا للنبيّ صلى الله عليه و سلم فقط لأنه الأفضل لستر الجسم في ذلك الوقت أم أن هناك أسبابا أخرى؟ و هل كان هناك سراويل في ذلك الوقت؟ و ما هو الحكم الشرعي للبس القميص؟ و في حالة أخي، هل يقدم طاعة الوالدين في هذا الأمر أم يعصيهما و يلبس القميص في المعهد امتثالا لسنة النبيّ صلى الله عليه و سلم؟ و جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل في اللباس وغيره من أمور العادات هو الإباحة فلا يحرم منها إلا ما قام الدليل على تحريمه.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس: فالأصل في أنواع اللباس الإِباحة، لأنه من أمور العادات، قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ. {الأعرَاف: 32}. ويستثنى من ذلك: ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال، والذي يصف العورة، لكونه شفافاً. انتهى.

ولا يجب لبس القميص وإن كان لبسه أولى من غيره، لما رواه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة قالت: كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص. وصححه الألباني.

وسبب ذلك أنه أعم وأستر للبدن، كما قال ابن قدامة رحمه الله في الكافي: والقميص أولى من الرداء لأنه أعم في الستر.
وقال الشوكاني رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: والحديث يدل على استحباب لبس القميص، وإنما كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أمكن في الستر من الرداء والإزار. ... اهـ

وإذا عزم الوالدان على الولد بترك بعض الملابس شفقة عليه فعليه أن يطيعهما، لأن أهل العلم أوجبوا طاعة الوالد إذا نهى عن مستحب، وقيل تستحب طاعته فقط.

ومن المعلوم أن الوالدين إذا أشفقا على الولد فمنعاه من الجهاد تجب طاعتهما إذا لم يكن الوجوب عينيا، فمن باب أولى أن يطيع في ترك بعض الملابس

فقد قال محمد مولود في نظم بر الوالدين:

إن نهيا عن مستحب يستحب *أو يجب اجتناب ذاك المستحب

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: .. .. وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره ...اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح في فتاويه: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات ... اهـ

وقال العلامة المحدث بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري:وقال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله : إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى. قل أو كثر نهيا عنه أو لم ينهيا، أو يخالفهما فيما يأمران أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل. وحكى قول الغزالي أن أكثر العلماء على وجوب طاعتهما في الشبهات ووافقهما عليه، وحكى قول الطرطوشي من المالكية أنهما إذا نهياه عن سنة راتبة المرة بعد المرة أطاعهما وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما فيه لما فيه من إماتة الشرع ووافقه على ذلك.اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني