الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يدخل في جواز اللعب بصور البنات من تجاوزت الخامسة عشر

السؤال

وأنا أقرأ في أقوال أهل العلم فيما يخص اللعب بالعرائس والصور للبنات وجدت أن الإمام الخطابي وابن حجر فيما يبدو لي اعتبرا أن بلوغ أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ هو تجاوزها سن الخامسة عشر، ولذلك برروا لعبها بالعرائس قبل هذا السن بأنها كانت غير بالغة متجاهلين بذلك الحقيقة العلمية المعروفة أن البنت من الممكن أن تحيض من سن الثامنة والنصف فما فوق وقلبي يميل إلى أنها كانت بالغة بالفعل قبل زفافها للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لذا أجد قول الإمامين غريباً وخاطئاً إذا كانت بالفعل بالغة وهي تلعب بالعرائس، وأيضا إذا اعتبرنا أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت تلعب بالصور بعد غزوة تبوك ـ وكان سنها 16 سنة فهي بالغة في نظر الإمامين ـ ألا يعتبر هذا تعارضاً مع قول الخطابي بإباحة اللعب بالعرائس لعائشة لأنها كانت غير بالغة؟ والسؤال: هل هناك من أباح اللعب بالصور ـ العرائس ـ من غير ارتباط بالبلوغ؟ ملحوظة: كل كلامي تعليقاً على فتح الباري وأعلام الحديث في شرح حديث الانبساط إلى الناس.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المشار إليه ترجم له ابن حبان في صحيحه فقال: ذكر الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب وإن كان لها صور.

و قال الحافظ في الفتح: واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن، وقد ترجم ابن حبان: الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب، وترجم له النسائي: إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات ـ فلم يقيد بالصغر وفيه نظر، قال البيهقي بعد تخريجه: ثبت النهي عن اتخاذ الصور فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل التحريم ـ وبه جزم ابن الجوزي، وقال المنذري إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة وبهذا جزم الحليمي فقال إن كانت صورة كالوثن لم يجز وإلا جاز. اهـ.

وفي كلام ابن حجر إفادة السائل عن سؤاله هل هناك من العلماء من لم يربط اللعب المذكور بالصغر وفيه تضعيف الحافظ لهذا الأمر بقوله: وفيه نظر ـ وقال ابن حزم في المحلى: وجائز للصبايا خاصة اللعب بالصور, ولا يحل لغيرهن, والصور محرمة إلا هذا, وإلا ما كان رقما في ثوب روينا من طريق مسلم بن الحجاج عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ـ ومن طريق أحمد بن شعيب النسائي عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إلي صواحبي يلعبن معي باللعب البنات الصغار. اهـ.

وفي الصحيحين عن هشام بن عروة عن أبيه: عن عائشة أَنّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرّبُهُنّ إِلَيّ. وقال في حديث جرير: كنت ألعب بالبنات في بيته وهي اللعب.
قال القاضي عياض: فيه جواز اللعب بهن، قال: وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث، ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن، قال: ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن، وقالت طائفة: هو منسوخ بالنهي عن الصور. هذا كلام القاضي. اهـ.
وأما ما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: ما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه. رواه أبو داود والنسائي.

فقد نقل الحافظ في الفتح كلام الخطابي فيه ورجح أن الحادثة كانت بخيبر ولكنه لم يجزم بعدم بلوغ عائشة فقال: قال الخطابي في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما أرخص لعائشة فيها، لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ، قلت وفي الجزم به نظر، لكنه محتمل، لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة إما أكملتها، أو جاوزتها، أو قاربتها، وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فيترجح رواية من قال في خيبر ويجمع بما قال الخطابي، لأن ذلك أولى من التعارض. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني