السؤال
وصلتني هذه الكلمات من أحد الشباب، قرأها على الإنترنت، يسألني عن صحة ما ورد فيها، فأحببت أن أرد عليه بجواب من كلام أهل العلم.
وفقكم الله للذود عن سنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
نص الرسالة: إلى كل من يدّعي أن صيام عاشوراء سُنّة...! قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.
يكثر في هذه الأيام، خاصة في المساجد وخطب الجمعة، الحديث عن صيام هذا اليوم، وبشكل عجيب جداً، ويحرص البعض على التأكيد عليه. لكن ما سبب صيام هذا اليوم؟ ولماذا نصومه؟
يقول الحديث: صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب صوم يوم عاشوراء: وحدثني ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه. فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه.
للاطلاع على الحديث في موسوعة الحديث الشريف، ولمراجعته في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم (1130)، ولمراجعته في موقع نداء الإيمان تحت رقم (2714)، وفي موضع آخر: صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب أي يوم يصام في عاشوراء: وحدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني إسماعيل بن أمية، أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: «يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى!» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع». قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
للاطلاع على الحديث في موسوعة الحديث الشريف، ولمراجعته في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم (1134)، ولمراجعته في موقع نداء الإيمان تحت رقم (2722)
ملاحظات حول الحديثين: كل من يقرأ الحديثين والقصة المذكورة عن سبب الصيام، ليتأمل النص جيداً، ثم انظر إلى هذه الملاحظات لنخرج بنتيجة، ونترك لك الحكم في صحة هذه الأخبار:
أولاً: انظر إلى الحديث الأول وتأمل جيداً: لقد غاب عن "منتج" هذا الحديث أن اليهود لا يعتمدون في تقويمهم على الهلال، بل يعتمدون على تقويم شمسي-قمري خاص، بينما الاعتماد على الهلال مما اختُصّ به المسلمون. قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ..." [البقرة:189].
السؤال المطروح هنا: كيف يكون يوم عاشوراء (10 محرم) ثابتاً عند اليهود على مرّ السنين، وهم لا يعتمدون على التقويم الهجري؟!
توضيح: لو أراد أحد المسلمين أن يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام، بدعوى أننا - أي المسلمون - أولى بالمسيح عليه السلام من المسيحيين، فهل يستطيع أن يحدد يوماً في تقويمنا الهجري يوافق دائماً يوم ميلاد المسيح عند المسيحيين؟
الجواب: لا يمكن، لأن ميلاده ثابت عندهم بحسب تقويمهم الميلادي، أما نحن فنعتمد على التقويم الهجري القمري، الذي يقلّ عن الميلادي بنحو عشرة أو أحد عشر يوماً سنوياً.
وبالتالي، إذا أردنا أن نصوم أو نحتفل باليوم الذي نجّى الله فيه موسى عليه السلام، فينبغي أن يكون هذا اليوم متغيراً كل عام وفق التقويم الهجري.
فما الذي جعله ثابتاً في يوم (10 محرم)؟!
ثانياً: من المفترض أن يكون يوم عاشوراء أعظم عيد عند اليهود، لأنه اليوم الذي نجّى الله فيه نبيّه موسى عليه السلام وهلك فيه فرعون، وهو حدث عظيم ومعجزة بارزة في تاريخهم.
السؤال المحيّر: لماذا انقرض هذا العيد عندهم، ولم يبق له أثر؟
ففي كل مناسبة لليهود، تسمع في الأخبار أن قوات الاحتلال الصهيوني تتخذ إجراءات أمنية مشددة، تخوفاً من عمليات فدائية، لكن يوم عاشوراء يمرّ كأنه يوم عادي، بلا أيّ مظهر ديني أو أمني.
ثالثاً: يقول الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون عاشوراء. وفي رواية أخرى، قال ابن عباس: إنهم قالوا له: إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى، فقال: «فإذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع»، لكنه توفي قبل أن يدركه.
السؤال هنا: نحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة ثلاث عشرة سنة بعد الهجرة، فكيف يُقال إنه قال: «سأصومه في العام المقبل»، ثم تُتبع الرواية بقولهم: «فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي»؟! وإن قيل إن هذا كان في السنة الأخيرة من عمره صلى الله عليه وسلم، فهذا عجيب! كيف لم يلاحظ اليهود يصومون هذا اليوم طوال السنوات الماضية؟!
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج اليهود من المدينة بعد غزوة الأحزاب، فمتى حدث هذا الموقف؟! وأين كان اليهود حينها؟!