الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في الخوارج

السؤال

السؤال عن الخوارج: فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوهم حيث وجدتوهم، فإن في قتلهم خيرا كثيرا وهم كلاب أهل النار
وسيدنا علي بن أبي طالب قال عندما سئل عن الخوارج أكفار هم؟ قال هم من الكفر أبعد، الرجاء توضيح هل هناك تعارض بين الجملتين؟
وهل كلام سيدنا علي ليس فيه تعارض مع كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح الذي عليه جمهور أهل العلم أن الخوارج ليسوا كفارا، مع ما فيهم من بدعة شديدة وضلالة بعيدة، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، فلكونهم بغاة محاربين، ولإفسادهم في الدين، وليس للقتل سبب واحد، بل له عدة أسباب، فمنها الردة، ومنها البغي، جاء في الموسوعة الفقهية: القتل المشروع هو ما كان مأذونا فيه من الشارع، وهو القتل بحق، كقتل الحربي والمرتد والزاني المحصن وقاطع الطريق، والقتل قصاصا، ومن شهر على المسلمين سيفا كالباغي، وهذا الإذن من الشارع للإمام لا للأفراد، لأنه من الأمور المنوطة بالإمام، لتصان محارم الله عن الانتهاك وتحفظ حقوق العباد، ويحفظ الدين. اهـ.

وقال الزرقاني في شرح الموطأ: قال إسماعيل القاضي: رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر للفساد الداخل في الدين، وهو من باب الإفساد في الأرض، وليس إفسادهم بدون إفساد قطاع الطريق والمحاربين المسلمين على أموالهم، فوجب بذلك قتلهم، لكنه يرى استتابتهم لعلهم يراجعون الحق، فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم، وهذا قول عامة الفقهاء الذين يرون قتلهم واستتابتهم، وذهب أبو حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من المحدثين إلى أنه لا يتعرض لهم باستتابة وغيرها ما استتروا ولم يبغوا ولم يحاربوا، وقالت طائفة من المحدثين: هم كفار على ظواهر الأحاديث، ولكن يعارضها غيرها في من لا يشرك بالله شيئا ويريد بعمله وجهه، وإن أخطأ في حكمه واجتهاده، والنظر يشهد أن الكفر لا يكون إلا بضد الحال التي يكون بها الإيمان فهما ضرتان. انتهى ملخصا.

وبالغ الخطابي فقال: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من المسلمين، وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: أكثر الفقهاء يرون أنهم بغاة، ولا يرون تكفيرهم، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون، وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وذكر ابن عبد البر أن الإمام عليا ـ رضي الله عنه ـ سئل عنهم: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا ـ قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل فما هم؟ قال: هم قوم أصابتهم فتنة، فعموا وصموا، وبغوا علينا، وقاتلوا فقاتلناهم، وقال لهم: لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا. اهـ.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في المطلب الحميد: الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون المحققون أن الخوارج لا يكفرون. اهـ.
وراجع في اختلاف العلماء في تكفير الخوارج الفتويين رقم: 25436، ورقم: 158019.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني