الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نفي تبعض كلام الله تعالى قول محدث مبتدع

السؤال

نحن نعلم أن القرآن كلام الله غير مخلوق تكلم الله به، ولكن هناك فرق أنكرت ذلك وأحدهم عرض علي شبهة يقول إنه إذا تكلم الله فإن الكلام مكون من حروف، والحروف مكونة من كلمات، إلى آخره، فهذا يعد تبعيضا لصفة الكلام؟ فهل يصح هذا؟ أم التبعيض هو في حق البشر فقط؟ أفيدوني أثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن هذا الشخص يعتقد ما عليه طائفة من أهل الكلام من أن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه فهو لا يتعدد ولا يتبعض وإذن فليعلم أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأنه كلامه لا كلام غيره، وهو كلام الله تعالى حروفه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه، ذكر ذلك كله شيخ الإسلام في الواسطية، وصفة الكلام للرب تعالى صفة قديمة النوع، بمعنى أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء، ولكن آحاد الكلام حادثة، فهو يتكلم بما شاء متى شاء قال شيخ الإسلام: وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وَهُوَ أَيْضًا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، فَهُوَ قَدِيمُ النَّوْعِ، وَأَمَّا نَفْسُ: النِّدَاءِ ـ الَّذِي نَادَى بِهِ مُوسَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ نَادَاهُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ـ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ، فَكَانَ السَّلَفُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ نَوْعِ الْكَلَامِ وَبَيْنَ الْكَلِمَةِ الْمُعَيَّنَةِ. انتهى.

وقال أيضا: وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمَ النَّوْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ وَمَنْ يَتَكَلَّمُ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَتَكَلَّمُ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَنْ لَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ أَوْ قَدِّرْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ. انتهى.

وأهل السنة مع هذا ينزهون الله تعالى عن مماثلة المخلوقين، ويمسكون عن الخوض في كيفية الصفات لعلمهم أن عقول البشر عاجزة عن إدراك كيفية صفات الرب تعالى، كما هي عاجزة عن إدراك كيفية ذاته سبحانه، إذ الكلام في الصفات كالكلام في الذات، والله تعالى ليس كمثله شيء، والعباد لا يحيطون به علما، فكلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين، فعلينا أن نقف حيث أوقفنا الله تعالى وألا نخوض في هذه المباحث المولدة التي لم يتكلم فيها السلف ـ رحمهم الله ـ الذين هم أعلم بالله تعالى ممن جاء بعدهم، ومن قال إنه يلزم من إثبات صفة معينة كذا أو كذا من اللوازم فإنه يقال له: إن كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو حق، ويجب علينا أن نلتزم به، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله، لأنه قد يمنع أن يكون لازما، فإذا ثبت أنه لازم، فليكن، ولا حرج علينا إذا قلنا به، قاله الشيخ ابن عثيمين: وإذا علمت ما مر فنفي تبعض القرآن قول محدث مبتدع، وفساده يعلم بالشرع والعقل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ اللَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ عُبِّرَ بِهِ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ، وَإِنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَإِنَّهُ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وبالعبرانية كَانَ تَوْرَاةً وبالسريانية كَانَ إنْجِيلًا فَيَجْعَلُونَ مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدَّيْنِ و: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ـ و: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ـ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلٌ أَحْدَثَهُ ابْنُ كُلَّابٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ السَّلَفِ. انتهى.

فإذا تبين ما مر وعرفت عقيدة أهل السنة في القرآن وعرفت فساد القول بأنه لا يتبعض فالنصيحة المبذولة هي لزوم جادة السلف وما كانوا عليه ففي هذا النجاة والعصمة ـ بإذن الله ـ وإن أردت تفصيل أقوال الفرق في مسألة كلام الرب تعالى وما هو الحق بدليله ووجوه رد ما خالفه فعليك بالجزء الثاني عشر من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه أفرد لهذه المسألة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني