الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النجاسة إذا مسحت بالمنديل فهل ينتقل حكمها إذا لاقى محلها شيئا رطبا

السؤال

هل إذا كانت نجاسة مثلاً كالدم على الوجه أو على اليد وتم مسحها بالمنديل ولم يبق أثر يكون المكان متنجساً وتنتقل النجاسة ويجب غسلها؟ أم يكون متنجساً ولكن لا تنتقل لأن هناك دهونا على بشرة الوجه وتكون البشرة رطبة بسبب الدهون؟ وعند غسل الملابس بالغسالة إذا كان أثر الدم باقياً تكون الملابس متنجسة ويجب غسلها باليد، لأنه لا يمكن فركها بالغسالة؟ وهل يجب فرك الملابس؟
وهل إذا لمس شخص وجهه الدهني وبعدها أكل شيئاً لا يجوز، لأن الدهون يتم ابتلاعها؟ أرجو أن تكون الإجابة على رأي الأحناف وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن إزالة الدم ونحوه بالمسح لا يرفع حكم النجاسة، بل لا بد لطهارة المحل من الغسل بالماء المطلق عند الكثير من الفقهاء، وقد اختلف العلماء هل ينتقل حكم النجاسة إذا لاقى محلها شيئا رطبا، فيرى بعضهم أنه إذا زالت عين النجاسة لم ينتقل حكمها ولو لاقى محلا رطبا، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 166397، ورقم: 62420.

أما على مذهب الأحناف الذي تود السائلة أن تكون الإجابة طبقا له: فإن مسح النجاسة ليس مطهرا عندهم أيضا، إلا في الخف والنعل على خلاف عندهم في ذلك، وعليه فلا تصح الصلاة قبل غسل موضع الدم من الوجه أو اليد إذا لم يكن مما يعفى عنه لكونه قدر الدرهم أو أصغر، قال في البحر الرائق: وأعلم أَنَّا قد قَدَّمْنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَسْحِ خَاصة بِالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ في غَيْرِهِمَا كما قالوا. انتهى.

وقال الكاساني في بدائع الصنائع: أَمَّا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ إذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ أو الْبَدَنَ وَنَحْوَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِالْغَسْلِ سَوَاءٌ كانت رَطْبَةً أو يَابِسَةً وَسَوَاءٌ كانت سَائِلَةً أو لها جُرْمٌ. انتهى.

مع التنبيه على أنه يعفى عن قدر الدرهم فما دونه من النجاسة في المذهب الحنفي سواء كانت دما أو بولا أو غيرهما، ففي اللباب في شرح الكتاب في الفقه الحنفي: ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والغائط والخمر مقدار الدرهم فما دونه جازت الصلاة معه، فإن زاد لم تجز، وإن أصابته نجاسةٌ مخففةٌ كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معه، ما لم يبلغ ربع الثوب. انتهى.

هذا عن السؤال الأول.

أما فيما يخص السؤال الثاني: فإذا كان أثرالدم باقيا على الملابس فلا بد من إزالته بالفرك أو بغيره مع غسله قدر المستطاع سواء كان ذلك باليد أو بتحريك الغسالة على الملابس، إذ لا يشترط أن يكون باليد، والطريقة الصحيحة لذلك أن تزال عين النجاسة وأثرها قبل وضع الملابس في الغسالة أوبصب الماء وتشغيل الغسالة عليها حتى يزول أثر النجاسة، وينفصل الماء غير متغير، وبذلك تطهر، فإن تعذرت إزالة بقايا اللون لم يؤثر ذلك على طهارة الملابس، فقد نص فقهاء الأحناف على أن طهارة الثياب من النجاسة المرئية تحصل بغسلها وعصرها حتى تزول عين النجاسة، وإن كانت غير مرئية تطهر بِالْغَسْلِ ثلاثا والعصر في كل مرة ثم ذكروا أن اشتراط العصر محله إذا كانت تغسل في إجانة وهي إناء تغسل فيه الثياب، أما إذا غسلت في ماء جار أو ماء كثير فلا يشترط العصر، والظاهر أن الغسل في الغسالة أقرب للغسل في الماء الجاري أو الماء الكثير من الغسل في الإجانة ونحوها أي فيصح تطهير الملابس فيها من غير عصر باليد، ففي بدائع الصنائع في الفقه الحنفي: وَإِنْ كان مِمَّا يُتَشَرَّبُ فيه كَثِيرٌ، فَإِنْ كان مِمَّا يُمْكِنُ عَصْرُهُ كَالثِّيَابِ، فَإِنْ كانت النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً فَطَهَارَتُهُ بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ إلَى أَنْ تَزُولَ الْعَيْنُ، وَإِنْ كانت غير مَرْئِيَّةٍ فَطَهَارَتُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْعَصْرِ في كل مَرَّةٍ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَسْتَخْرِجُ الْكَثِيرَ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْعَصْرِ وَلَا يَتِمُّ الْغَسْلُ بِدُونِهِ، وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَصْرِ في الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ. انتهى.

وفي النتف في الفتاوى للسعدي: قال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان ثوبا فغسل في إجانة وعصر لم يطهر حتى يعاد غسله بماء جديد آخر ويعصر ثم يعاد غسله أيضا ثالثة كذلك فيكون بعد ذلك طاهرا والماء نجسا، فإن غسل رابعة يكون الماء طاهرا والثوب طاهرا والإجانة طاهرة. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، فَإِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً فَإِنَّهُ يَطْهُرُ الْمَحَل الْمُتَنَجِّسُ بِهَا بِزَوَال عَيْنِهَا وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَلِيظَةً، وَلاَ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْغُسْل، لأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهَا، فَتَزُول بِزَوَالِهَا، وَلاَ يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَشُقُّ زَوَالُهُ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى النَّجَاسَةِ، أَوْ غَسَلَهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي، أَمَّا لَوْ غَسَلَهَا فِي إِجَّانَةٍ فَيَطْهُرُ بِالثَّلاَثِ إِذَا عُصِرَ فِي كُل مَرَّةٍ... ثُمَّ إِنَّ اشْتِرَاطَ الْغَسْل وَالْعَصْرِ ثَلاَثًا إِنَّمَا هُوَ إِذَا غَمَسَهُ فِي إِجَّانَةٍ، أَمَّا إِذَا غَمَسَهُ فِي مَاءٍ جَارٍ حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ أَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، بِحَيْثُ يَخْرُجُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَاءِ وَيَخْلُفُ غَيْرُهُ ثَلاَثًا، فَقَدْ طَهُرَ مُطْلَقًا بِلاَ اشْتِرَاطِ عَصْرٍ وَتَكْرَارِ غَمْسٍ، وَيُقْصَدُ بِالنَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ عِنْدَهُمْ: مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ، وَغَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ: مَا لاَ يُرَى بَعْدَهُ. انتهى.

وفي حاشية ابن عابدين: الإجانة بالكسر والتشديد إناء تغسل فيه الثياب. انتهى.

وانظري الفتوى رقم: 113932.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني