الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنصيب أئمة المسجد راجع إلى الجهة المخولة

السؤال

انتشرت في بلادنا تونس بعد رحيل الرئيس السابق ظاهرة تمثلت في تغيير أئمة المساجد الخطباء منهم و الخمس. المشكل في هذا أن البعض منهم يرفض التنحي مما اضطر بعض الإخوة المتحمسين الى استعمال شيء من القوة و العنف في بعض الأحيان. و لكم تلخيص سريع لما حصل في مسجد حيينا. إمامنا السابق ــــ الذي تمت إزاحته ــــ شاب يحفظ القرآن بالتجويد غير أنه لا يحسن مخرج الجيم و الضاد و هو حليق اللحية ) و هي من بين المؤاخذات عليه من بعض الإخوة. أثناء غياب له آخر مرة؛ استغل بعض الرافضين لغيابه لينصبوا أحدهم، و لما عاد إمامنا الأصلي أخبروه بأنه لم يعد إماما للمسجد بل إن واحدا منهم هدده بحرق بيته إن فكر في العودة فما كان منه إلا أن غادر عائدا إلى محافظته الأم. تجدر الإشارة أن الإمام الجديد يحفظ القرآن و تلاوته و أداؤه أفضل من السابق، و له نشاط في الدعوة لم تكن عند سالفه. و لكن بعد هذه الواقعة اعتزل بعض كبار الحي الصلاة في المسجد لرفضهم الصلاة خلفه، و حصلت كثير من المشادات الكلامية بين الشباب و الكبار آخرها كان بعد صلاة صبح حيث رفض هذا الإمام قنوت الصبح و ارتفعت الأصوات في المسجد مستنكرين فعله هذا.
فماذا ترون في حكم ما قام به هؤلاء الإخوة و حكم الصلاة خلف هذا الأخ؟ و هل يترتب عليه أو علينا بعض الأمور؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :

فالذي يمكننا قوله فيما سألت هو أن الأصل في تنصيب الأئمة في المساجد أنه راجع إلى الجهة المخولة بذلك من قبل ولي الأمر, ولا يجوز الافتيات عليها بأن يخلع الإمام الذي عينته ويستبدل بغيره من غير الرجوع إليها، وقد نص الفقهاء على حرمة الإمامة في مسجد له إمام راتب إلا بإذنه كما قال صاحب الزاد ويَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ أَوْ عُذْرِهِ.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح الزاد: أي يحرم أن يكون إماماً في مسجد له إمامٌ راتب أي : مولًّى مِن قِبَلِ المسؤولين، أو مولًّى مِن قِبَلِ أهلِ الحَيِّ جيران المسجد، فإنَّه أحقُّ الناس بإمامتِهِ، لقولِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانه» ومعلومٌ أنَّ إمامَ المسجدِ سلطانُه، والنهيُ هنا للتحريمِ، فلا يجوزُ للإنسان أن يؤمَّ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ إلا بإذن الإمام أو عُذره، وكما أن هذا مقتضى الحديث، فهو مقتضى القواعد الشرعية؛ لأنه لو ساغ له أن يؤمَّ في مسجد له إمام راتب بدون إذنه أو عذره لأدَّى ذلك إلى الفوضى والنزاع. اهــ. بل ذهب بعض الفقهاء إلى عدم صحة الصلاة حينئذ، ورجح الشيخ ابن عثيمين صحة الصلاة مع الإثم.
وكون الإمام حليقا أو لا يتقن بعض مخارج الحروف لا يبرر عزله من غير الرجوع للجهات المسؤولة فضلا عن تهديده بحرق بيته !! فهذا لا يجوز , والصلاة خلف الحليق صحيحة وإن كان ينبغي استبداله بإمام عدل، ولكن يخلع بالطريقة الصحيحة وهو أن يرفع أمره إلى الجهات المسؤولة , وكذا إذا كان لا يتقن القراءة يرفع أمره إلى الجهات المسؤولة، والذي ينبغي فعله الآن هو تقديم طلب لتلك الجهات بتعيين الإمام الجديد ما دام أفضل من الأول، فإن وافقت فبها ونعمت وإن رفضت فلا مناص من رد الإمام السابق، وإن رفعت يدها عن الموضوع فيرد الأمر إلى أهل الحي، فإن وافقوا أو أغلبهم على الإمام الجديد فذاك , وينبغي لشباب الصحوة ودعاتها أن يتبعوا سبيل الحكمة في التعامل مع الناس وفي دعوتهم، ويبتعدوا عن الشدة والعنف. فقد قال الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. آل عمران 159 , وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ. متفق عليه. وقال: لَمْ يَدْخُلْ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه أحمد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني