الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرقية بالشعر ليست من الرقى الشرعية

السؤال

أنا مصابة بأذى من الجن، وهذا الأذى مستمر معي 24 ساعة لا يفارقني لحظة، إذا استمعت للقرآن أهدأ بعض الشيء، جاء لي والدي براق، وليته لم يأت به، فاجأني الراقي أنه يقرأ علي الشعر بدلا عن القرآن، فاستوقفه والدي، وقال له: هل أنت راق شرعي أم شاعر؟ قال: المهم أن أعالج ابنتك، قال فلم لا تقرأ القرآن؟ قال: الشعر هو الذي يكشف الحالة، فقال يرحمك الله: أتينا بك لتقرأ عليها القرآن ففاجأتنا بالشعر، لكن الراقي قال: ابنتك تعاني من حالة نفسية، فقلت له: يا شيخ اقرأ علي القرآن، فنهرني ولم يستجب لي، وكتب لي ورقة لدواء طبي كعلاج نفسي طلب مني أن أشتريه من الصيدلية.
السؤال: إن لم أجد غير هذا الراقي فهل يجوز أن أطلب منه رقيتي بما لديه من شعر، أم تنصحوني بأن أعتمد على نفسي في الرقية؟ علمًا بأني لا أجد في قريتي غير هذا الراقي الذي يفضل الشعر على القرآن الكريم، وليس بطبيب نفسي ولا متخصص في علم النفس. وما هو توجيهكم لهذا الراقي، وكذلك للمرضى الذين لا يجدون في قريتهم غيره؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن والاه أما بعد:

فقول الراقي المشار إليه لما سئل لماذا لا يرقي بالقرآن "إن الشعر هو الذي يكشف الحالة" يدل على جهله أو كذبه, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته والتابعين لهم بإحسان أنهم رقوا المريض بالشعر, وقد قسم العلماء الرقية إلى أربعة أقسام, شرعية, وشركية, وبدعية, وجائزة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل: اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً. وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً، وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع، وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة. فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة، وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة، وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى: لا بأس بها ما لم تكن شركاً ... اهـ.

والرقية بالشعر ليست من القسم الأول المشروع، ولا من المباح؛ لكونها ليست دعاء مباحًا, والدعاء لا يكون بالشعر، وقد أنكر العلماء الدعاء بكلمات مسجوعة ومنتقاة من ألفاظ الشعراء، وجعلوها من الاعتداء في الدعاء، فكيف إذا كان شعرًا محضًا!

قال أبو بكر محمد بن الوليد الطَرْطُوشيُّ صاحبُ كتاب الحوادث والبدع: ومِن العَجب العُجاب أن تُعرِضَ عن الدعوات التي ذَكَرها الله في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياءِ مقرونةً بالإجابةِ، ثمَّ تنتقي ألفاظَ الشُّعراء والكتَّاب، كَأنَّك قد دعوتَ في زعمِك بجميع دعواتِهم ثمّ استعنتَ بدعوات مَن سواهم.

ويقول الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} وهو يذكر جملة من أنواع الاعتداء في الدعاء: ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة، فيتخيّر ألفاظاً مفقرةً، وكلماتٍ مسجَّعةً، قد وجدها في كراريس، لا أصل لها ولا معوّل عليها فيجعلها شعارَه، ويترك ما دعا به رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ هذا يَمنع من استجابة الدعاء. اهـ.

فننصحكم بالبعد عن ذاك الراقي واستبداله براق موثوق في دينه ويرقي بما هو مشروع, وقد سبق لنا أن بينا في الفتوى: 22876، الشروط التي ينبغي توفرها في الراقي، وبيان بعض العلامات الفارقة بين المشعوذ وبين الراقي الذي يرقى بالكتاب والسنة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني