الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بارك الله جهدكم المعطاء, في هذه الفتاوى التي تمكن المسلم من العلم بشؤون دينه: أنا أعمل في مجال العلاج الزوجي أو الاستشارة الزوجية, ولاحظت من خلال عملي على مدى 17 عاما في هذا المجال الأهمية القصوى للوازع الديني في نجاح الأزواج المسلمين في التآلف والحياة الكريمة, فالقرآن هو علم نفس رباني، في السنين الأخيرة يتطور في وتيرة متسارعة الاهتمام بموضوع التسامح في علم النفس الحديث، جذبني أن الأغلبية الساحقة للأبحاث إن لم يكن كلها ـ آلاف ـ أجريت على غير المسلمين ولم تتطرق لهذا الجانب الهام في حياة المسلم، فقررت التعمق في هذا الموضوع على مستوى العائلة المسلمة أولا, ولكوني غير ملم أو متعمق في العلوم الشرعية أحتاج إلى معلومات عن هذا الموضوع وبالذات أحاديث شريفة للرسول عليه الصلاة والسلام عن العفو داخل الأسرة المسلمة، ولي سؤالان مشتقان من هذا, الأول: ما هو التفسير أو المغزى من أن القرآن الكريم في كل الأماكن التي ذكر فيها العفو ـ وهنا المقصود هو العفو بين البشر ـ ذكر أكثر من مصطلح في نفس الدلالة مثلا ـ وليعفو وليصفحوا، و: فمن عفا وأصلح.
والسؤال الثاني هو: لماذا في الآية الكريمة التي تتحدث عن العائلة ذكر ثلاثة مصطلحات وليس اثنين فقط كما في باقي الأماكن في قوله تبارك وتعالى: يَـ

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل ذكر الألفاظ المتعددة في هذا من باب الإطناب للحض على تحقيق هذا الأمر العظيم فقد جمع بين الصفح والعفو في قوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا {النور:22}.

وقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ { المائدة: 13}.

وقال تعالى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِه { البقرة: 109}.

كما أضاف لها المغفرة في قوله تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { التغابن: 14}.

وأضاف الإصلاح والإحسان وكظم الغيظ في بعض الآيات، كما قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133ـ 134 }.

وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}.

كما أفرد الصفح في بعض الآيات فقال عزوجل: وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتية فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ { الحجر: 85}.

وقال سبحانه: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ { الزخرف:89}.

هذا بالإضافة إلى الآيات التي تحض على الغفران والغضّ عن السيئة وما أشبه ذلك، وقد حمل بعض أهل العلم العفو على العفو والتجاوز في الظاهر وحمل على الباطن لفظ الصفح، فالعفو والصفح بينهما تقارب في الجملة، إلا أن الصفح أبلغ من العفو، لأن الصفح تجاوز عن الذنب بالكلية واعتباره كأن لم يكن، أما العفو فإنه يقتضي إسقاط اللوم الظاهر دون الباطن، ولذا أمر الله نبيه به في قوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {الحجر:85}.

وهو الذي لا عتاب معه، كما قال يوسف عليه السلام: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92}.

وراجع المفردات للراغب، وبصائر ذوي التمييز للفيروزبادي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني