الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)

السؤال

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي )) ما ضابط ذلك البخل ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر في مجلس أكثر من 50 - 100 مرة فأكثر فهل تجب الصلاة عليه في كل واحدة وإلا صرت من البخلاء أم أنه تكفي واحدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم وفقك الله أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال وأجل القربات، فلا ينبغي لمسلم أن يتهاون بها أو يفرط فيها، والصلاة عليه كلما ذكر مستحبة ولو تكرر ذكره في المجلس مائة مرة، بل قيل بوجوب الصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه كلما ذكر، وهو قول وإن كان القائل به قليلا من أهل العلم لكنه مما يدل على تأكد الصلاة عليه وأنها مما لا ينبغي التفريط فيه، وكلما أكثر العبد من الصلاة عليه كان ذلك أنفع له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة. رواه الترمذي وحسنه. وأما الحديث المذكور فرواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم. وقد ذكره ابن القيم رحمه الله ضمن سياق حجة الموجبين للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر، وقرر احتجاجهم به بما عبارته: قَالُوا: فَإِذا ثَبت أَنه بخيل فَوجه الدّلَالَة بِهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْبُخْل اسْم ذمّ وتارك الْمُسْتَحبّ لَا يسْتَحق اسْم الذَّم قَالَ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويأمرون النَّاس بالبخل} الْحَدِيد 23 24 فقرن الْبُخْل بالاختيال وَالْفَخْر وَالْأَمر بالبخل وذم على الْمَجْمُوع، فَدلَّ على أَن الْبُخْل صفة ذمّ. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل // إِسْنَاده صَحِيح // الثَّانِي: أَن الْبَخِيل هُوَ مَانع مَا وَجب عَلَيْهِ. فَمن أدّى الْوَاجِب عَلَيْهِ كُله لم يسم بَخِيلًا وَإِنَّمَا الْبَخِيل مَانع مَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وبذله. انتهى.

وأبى ذلك الجمهور، وأجابوا عن الحديث بما فيه من المقال، ثم على تسليم صحته فليس اسم البخل مختصا بتارك الواجب.

قال الشوكاني: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنْ بَعْدَ تَسْلِيمِ تَخْصِيصِ الْبُخْلِ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْبَخِيلِ عَلَى مَنْ يَشِحُّ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ. انتهى.

وقد استقصى ابن القيم أدلة الفريقين في جلاء الأفهام فانظره إن شئت. ومذهب الجمهور هو ما عرفت من أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة كلما ذكر غير واجبة فلا يأثم تاركها وإن كان يسمى بخيلا، وبخله إنما هو عن نفسه فإن تحريك اللسان بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أمر يسير مشتمل على ثواب كثير، فمن بخل على نفسه بهذا الثواب الذي لا يكلفه كبير جهد كان بحق بخيلا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني