الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المثليون خارجون عن الفطرة السوية وهل هم عاجزون عن تغيير ميولهم

السؤال

قرأت في مقال طبي أن بعض الأطباء النفسيين والمتخصصين يقولون بأن المثليين الجنسيين يولدون هكذا وليست لهم قدرة على تغيير ميلهم ذلك، فما الرأي الشرعي في هذا الموضوع من ناحية الصحة والحكم الفقهي في هذه الحالة؟ أفادنا الله وإياكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلقد فطر الله الإنسان على أن يميل الذكر للأنثى والأنثى للذكر، ومن خرج عن هذا الأصل كان خارجاً عن الفطرة، وقد دلت النصوص الصحيحة على ذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 69212.

ومما يشهد لذلك قول نبي الله لوط لقومه: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ {الشعراء: 166}.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: العادي: هو الذي تجاوز حد الحق إلى الباطل، يقال: عدا عليه، أي ظلمه وعدوانهم خروجهم عن الحد الموضوع بوضع الفطرة إلى ما هو مناف لها محفوف بمفاسد التغيير للطبع. اهـ.

ويشهد له كذلك قوله سبحانه: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ {النمل: 54}.

أى: وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم، فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتى الذكر، وإنما يأتى الأنثى، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون. اهـ. من التفسير الوسيط.

ثم لا يخفى أن دعوى عدم قدرة هؤلاء على تغيير ميولهم الشاذة، إنما هي خطوة من خطوات الاستسلام للشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وهذا يتعارض مع كون كل إنسان مهيئا للتكليف بترك هذه الفاحشة، قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {الشمس: 7ـ 8}.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: أي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور أو اكتساب التقوى. اهـ.

وقال البيضاوي في أنوار التنزيل: إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وتعريف حالهما أو التمكين من الإتيان بهما. اهـ.

ونحو ذلك قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان: 3}.

وقوله سبحانه: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {البلد: 10}.

ومن ذلك أيضا قوله عز وجل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ {عبس: 20}.

قال المراغي في تفسيره: أي ثم جعله متمكنا من سلوك سبيلى الخير والشر، فآتاه قدرة العمل، ووهبه العقل الذي يميز به بين الأعمال، وعرّفه عاقبة كل عمل ونتيجته كما قال: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ـ وبعث إليه الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب المشتملة على الحكم والمواعظ والدعوة إلى أنواع البر، والتحذير من الشر، والحاوية لما فيه سعادة البشر فى معاشهم ومعادهم. اهـ.

وهذا هو مضمون ما رجحه ابن كثير في معنى هذه الآية، ولصاحب تفسير المنار في تفسير سورة هود فصل في سنن الطبائع والغرائز البشرية، يحسن الاطلاع عليه، ولمزيد الفائدة يمكن للأخ السائل مراسلة قسم الاستشارات في الشبكة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني