الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع قارورات الخمر الفارغة بين المنع واجواز

السؤال

أحسن الله إليك يا سماحة الشيخ وهذا السائل يقول: أريد أن أجمع قارورات الخمر المرمية على الطريق وأبيعها لمصنع يعيد تصنيعها في أواني منزلية علما بأنها تصهر، انتهى كلام السائل، أجابنا أحد الإخوة بالفتوى الموجودة في الموقع جزاه الله خير ولما سأل المشايخ عندنا قالوا له تركه أولى لأنه قد يكون شبهة وقد علمت من السائل أن هذه القارورات قد تباع لأصحاب الخمور لإعادة تعبأتها كما أن في جمعه لها إماطة للأذى وتشغيلا للشباب لكن أحد الإخوة ركز على حديث النعمان بن بشير وذكر اتقاء الشبهة وأنا أريد تفصيلا في الموضوع وحبذا لو ترفقون لي بعض الأدلة، لأن الإخوة عندنا مشككون ـ ويقولون من أفتاك ـ وهل هو ثقة؟ وأنا أثق فيكم وأتبع الدليل وإن رأيتم حذف الجملة الأخيرة فاحذفوا هذا، والله أعلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت الشبهة المشار إليها من جهة بيع هذه القارورات لمن يعبئها بالخمر فنقول إن من يجمع هذه القارورات ويبيعها للمصنع إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن المصنع يعيد تعبئتها بالخمر فهذا لا يحل له بيعها لذلك المصنع، وأما إن كان لا يعلم أولا يغلب على ظنه، وإنما يتوهم فإن بيعها له مكروه، والمكروه من جملة الشبه، جاء في الموسوعة الفقهية: اشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ لِلْمَنْعِ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي اتِّخَاذَ الْخَمْرِ مِنَ الْعَصِيرِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُكْرَهْ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلاَمِ الْمَرْغِينَانِيِّ الآْنِفِ الذِّكْرِ، وَكَذَلِكَ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ إِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ قَصْدَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ إِمَّا بِقَوْلِهِ، وَإِمَّا بِقَرَائِنَ مُخْتَصَّةٍ بِهِ تَدُل عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَاكْتَفَوْا بِظَنِّ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْصِرُ خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ بِحَال الْمُشْتَرِي، أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَعْمَل الْخَل وَالْخَمْرَ مَعًا، أَوْ كَانَ الْبَائِعُ يَشُكُّ فِي حَالِهِ، أَوْ يَتَوَهَّمُ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَال الشَّكِّ أَوِ التَّوَهُّمِ مَكْرُوهٌ. انتهى.

والمكروه كما تقدم من الشبهات، قال ابن حجر في فتح الباري: وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء, أحدها: تعارض الأدلة.

ثانيها: اختلاف العلماء.

ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه، لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك... ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام, فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام, والمباح عقبة بينه وبين المكروه, فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه، وهو منزوع حسن. اهـ.

وقد سبق لنا شرح هذا الحديث في الفتويين رقم: 30478, ورقم: 49828.

وفي حال خلو البيع المذكور من كل تلك الاحتمالات فتخرج هذه المسألة من حيز الشبهات من تلك الحيثية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني