الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تصح صلاة المنفرد إن نوى الإمامة وهو يظن مجيء مأموم

السؤال

إذا بدأت صلاتي بنية صلاة فردية ..ثم جاء أخي ليصلي جماعة ودخل معي كمأموم في صلاتي. فهل يجوز لي أن أغير نيتي من صلاة فردية إلى الجماعة وأيضا العكس بأن أنوي الجماعة ويتأخر المأموم حتى أنتهي من الصلاة.فهل الصلاة في الحالتين صحيحة؟
جزاكم الله خير الجزاء

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالصورة الأولى وهي تغيير نية المنفرد إلى الإمامة، جائزة في قول كثير من أهل العلم وهو الراجح من الأقوال، كما سبق بيانه في الفتوى رقم :131230، علما بأنه لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة لكن يستحب له ذلك.

قال النووي في روضة الطالبين: لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة، سواء اقتدى به الرجال أو النساء. انتهى.

أما الصورة الثانية وهي المعبرعنها في السؤال بالعكس فإن كان يقصد بها أن يحرم المنفرد بنية الإمامة، فقد ذكر بعض الفقهاء في ذلك تفصيلا فقال، إن كان يظن مجيء أحد يأتم به صح ذلك، وإن كان لا يرجو مجيء من يقتدي به لم تصح صلاته.

ففي كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع في الفقه الحنبلي : ( أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجيء أحد ) يأتم به ( لم تصح ) صلاته ولو حضر من ائتم به لأن الأصل عدم مجيئه ( وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ) بأن يغلب على ظنه حضور من يأتم به ( صح ) ذلك كما لو علمه و ( لا ) تصح نية الإمام ( مع الشك ) في حضور من يأتم به كما لو علم عدم مجيئه لأنه الأصل ف ( إن ) نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ف ( لم يحضر لم تصح ) صلاته لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به وكذا لو حضر ولم يدخل معه . انتهى.

وفي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي : وَسُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صلى في فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَحْصُلُ له فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَيَبَرُّ لو حَلَفَ لَيُصَلِّيَن جَمَاعَةً وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَقَعَ في فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، قال وقد وَجَدْت ذلك نَقْلًا عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صلى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ في فَضَاءٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صلى بِالْجَمَاعَةِ يَكُونُ بَارًّا في يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عليه، لِمَا وَرَدَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال: صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا. فإذا حَلَفَ على هذا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ وهو ظَاهِرٌ وقد أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنَظِيرِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ في حَلْقَةِ ذِكْرٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ دخل الْجَنَّةَ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الذي أَرَادَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم، وَكَذَا لو جَلَسَ في الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَحَلَفَ أَنَّهُ في الْجَنَّةِ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الذي أَرَادَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكَوْنِ الرَّوْضَةِ من الْجَنَّةِ أَمَّا لو أَطْلَقَ فَاَلَّذِي دَلَّ عليه التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أَرَادَ الْمَعْنَى الذي ذَكَرَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يَحْنَثُ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَدَارَ في الْأَيْمَانِ الْمُطْلَقَةِ على الْعُرْفِ وهو قَاضٍ بِأَنَّ الْمُصَلِّي في الْفَضَاءِ وَالْجَالِسِ في الْحَلْقَةِ أو الرَّوْضَةِ ليس في جَمَاعَةٍ وَلَا في الْجَنَّةِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لو نَوَى الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي ما حَقِيقَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَهُ هل هو مع اقْتِدَائِهِمْ بِهِ في عَيْنِ تِلْكَ الصَّلَاةِ أو يَتَعَبَّدُونَ وَرَاءَهُ لِتَعُودَ عليه بَرَكَةُ صَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ، أو يَدْعُونَ له إذْ الصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ فلما أَشْكَلَ عَلَيْنَا دَرْكُ ذلك الْأَمْرِ على ما أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ نَزَّلْنَاهُ مُنْفَرِدًا وَقُلْنَا ليس لَك أَنْ تَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ فَعَلْت بَطَلَتْ صَلَاتُك لِأَنَّك مُنْفَرِدٌ يَقِينًا وَالِاقْتِدَاءُ بِك مَشْكُوكٌ فيه فَلَا يَجُوزُ لَك نِيَّةُ الْإِمَامَةِ مع الشَّكِّ . انتهى.
مع التنبيه على أن المتقدم للإمامة إن كان امرأة ، فلا يجوز لها أن تؤم الرجال ولا يصح اقتداؤهم بها، ولها أن تؤم النساء على الراجح كما سبق بيانه في الفتوى رقم :5796.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني