الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النية الطيبة وصفاء القلب لا يكفي لزوال القطيعة

السؤال

لدي أخت ـ هدانا الله وإياها ـ كثيرا ما ننقطع عن الكلام ـ أي نختصم ـ بسبب أو بدون سبب ونهجر بعضنا، ولا أجد أي سبب يبرر ذلك مطلقا، وإنما هكذا نغضب قليلا ثم نعرض عن كلام بعضنا، وقد تستمر مدة الهجر إلى سنوات عديدة جدا بدون كلام أو رد للسلام، علما أنني معها في نفس المنزل، وقد تمر علي أيام أفكر في طريقة للمصالحة معها ولكنه لا يتيسر أبدا، علما أنني أرى أنني وأنا أقاطعها في الكلام أفضل وأريح لي بكثير، والسؤال: هل تكفي النية الصافية؟ مثلا أن أنوي في نفسي أنني سامحتها وعفا الله عما بيني وبينها ولا أحمل في قلبي لها أي غل أو حقد حتى وإن لم أكلمها ولا أنوي الضرر بها؟ وإذا لم تكف النية فماذا علي أن أفعل؟ علما أنها كثيرة الغضب ولا يتيسر لي الحديث معها، فما العمل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يحل لكما هذا الهجران وتلك القطيعة، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.

وعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه أيضا.

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا.

فاستغفرا ربكما وتوبا إليه وأصلحا ما بينكما، ولو امتنعت أختك من المصالحة فلا تقطعيها ولا تهجريها وخاصة في السلام، ولو كانت تؤذيك فاصبري واحتسبي أجر ذلك عند الله، واعلمي أن الصلة ليست مكافأة، لما روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.

وعلى المسلم أن يحتسب الأجر في وصل من قطعه، وأن يعلم أن الله عز وجل معينه وناصره، فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت: فكأنما تُسِفُّهُمْ المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.

ومجرد النية الطيبة وصفاء القلب من الغل والحقد لا يكفي لزوال القطيعة والهجر ما دمتما تلتقيان وتسكنان بمكان واحد فابدئيها بالسلام وأحسني إليها ولو أساءت، ولا تحملي في قلبك عليها حقدا ولا غلا وستجدين حالها يتغير ـ بإذن الله ـ كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني