الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استثمار المدين ماله بغرض سداد الدين بدون إذن أصحاب الدين

السؤال

أفتوني في أمري بارككم الله فقد ضاقت بي السبل: أنا شاب مسلم مقيم في بلاد الغرب وقعت في ذنب الاقتراض من البنوك الربوبة حتى تراكمت ديوني ومع مرور الوقت وصلت إلى مرحلة كنت بأمس الحاجة إلى المال فقمت بخداع أصدقائي وأخذت أموالهم بحجة استثمارها في أعمال أقوم بها، مقابل أرباح خلال فترة زمنية معينة ولكنني قمت بصرف كل تلك الأموال بما لا يرضي الله كالميسر وغيره، كما أنني قمت بأخذ أموال من أشخاص آخرين مقابل خدمات معينة ولكن كان ذلك كله ظلما وعدوانا، لقد تضرر أصدقائي بالغ الضرر حيث لم أستطع سداد الأموال والآن مرت السنون وازدادت معاناتهم بسبب ما اقترفت بحقهم، أريد أن أتوب من ذلك الذنب حيث يشهد الله أنني ندمت على ما فعلت وأنا لا أنام الليل ودائم السعي لحل المشكلة ورد الأموال إلى أصحابها، لقد شق علي الأمر كثيرا ففوق الندم والأرق والخوف من عذاب الله ازدادت معاناتي من هم التفكير في كيفية سداد الأموال، لقد رزقني الله تعالى بعمل حلال في شركة محترمة ولكن بعد صرف ما يلزمني من أجرة السكن والمواصلات للعمل وخلافه لا يبقى من راتبي إلا القليل فأقوم بسداده إلى أحد أصدقائي، وإذا بقيت على هذه الحال فلن أستطيع سداد الديون إلا بعد سنين طويلة وسيزداد الظلم الواقع على أصدقائي، وبعد تفكير طويل وجدت أنه من الممكن أن أقوم باقتطاع جزء من راتبي للحصول على كفاءة علمية معينة تؤهلني أن أقوم بعمل ثان جنبا إلى جنب مع عملي الأساسي، وكذلك يمكنني استغلال جزء من راتبي بعمل تجارة بسيطة حيث أقوم بشراء بضاعة حلال ثم بيعها أو أن أقوم باستغلال هذا الجزء من راتبي بعمل استثماري بسيط يدر علي دخلا إضافيا يساعدني في سداد ديوني، وسؤالي هو إن لم يكن لدي سبيل إلى سداد الديون سوى أن أقتطع جزءا من راتبي للتجارة أو للحصول على مؤهل علمي يساعدني على الحصول على عمل إضافي فهل هذا يجوز؟ علما أنني يمكن أن أقوم بسداد هذا الجزء من راتبي لأصدقائي ولكن ذلك لن يحل المشكلة إلا بعد سنين طويلة وسيلحق ضررا أكبر، فهل استغلالي لهذا الجزء من راتبي حلال أم هذا الجزء من راتبي الأولى أن أسدده إلى أصدقائي، وهل إن أكرمني الله وربحت من هذه التجارة البسيطة وقمت بإعادة كل المال الذي أخذته بالغصب لأصدقائي أيضا نصيب من هذه التجارة على اعتبار أن المال الذي اقتطعته من راتبي ليس ملكي وإنما ملكهم؟ أخشى أن تكون هذه التجارة محرمة بسبب أنني استغللت جزءا من راتبي للقيام بها وكان من الأولى سداد الدين، لقد ضاقت بي السبل ولا سبيل لسداد الديون سوى بالحصول على عمل آخر من خلال الحصول على مؤهلات علمية جديدة أو الاستثمار والتجارة الحلال أفيدوني يرحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يفرج همك ويقبل توبتك ويغسل حوبتك وييسر لك قضاء دينك إنه ولي ذلك والقادر عليه، والواجب عليك هو أن تبذل قصارى جهدك لسداد تلك الديون وتعزم على أدائها وتسدد منها كلما استطعت سداده وسيعينك ربك في ذلك بسبب نيتك الحسنة وتوبتك الصادقة، فالتجئ إلى الله فهو الذي بيده خزائن الأرزاق، ومفاتيح الفرج، وأكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني.

وراجع للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 7576

وأما ما سألت عنه فنقول فيه ما يلي: ليس لك أن تستبقي من مالك سوى حاجتك والباقي تسدد به بعض دينك ولا تستثمره في تجارة أو دراسة أوغيرها دون إذن من أصحاب الحقوق، لأن ذلك يؤخر سداد الدين عن مستحقيه وقد لا يتحقق ما رجوته من الربح أو التعلم فيضيع ما استعملته في ذلك ولم تسدد به بعض الديون، وانظر الفتوى رقم: 47642.

وعلى فرض أنك خالفت وتاجرت وربحت فإن أصحاب الدين ليسوا شركاء في الربح فأنت إنما استثمرت مالك ولم تستثمر مالهم، لأنه يتعلق بذمتك لا بما بيدك من مال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني