الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خذ بأسباب الرزق مع التوكل وكثرة الاستغفار

السؤال

في الحقيقة أنا في حالة نفسية سيئة جدا، أنا أبلغ من العمر29 سنة، تخرجت منذ 8 سنوات ولم أجد عملا حتى الآن يناسبني، فقد بحثت كثير جداً وتقدمت لأعمال كثيرة للغاية ولكن لم يقبلني أحد ودون جدوى، لا أدري لماذا فأنا حاصل على بكالوريوس إعلام، فالعمل المعروض علي حارس أمن أو ما شابه ذلك، وهذا صعب علي للغاية لا أستطيع العمل بهذه الوظيفة، وبالطبع لا أستطيع أن أتزوج وأجد رفيقة حياتي لأني لا أعمل والعمر يمر، وكما رأيتم أبلغ 29 سنة، فلا أستطيع أن أصف لكم كم هذا الأمر قاس علي، فالحل الوحيد حتى أحصل على وظيفة أن أتجه إلى حيلة الكذب وأن أقول مثلاً إن لي خبرات وليس لي خبرات، وأن أكذب أيضا في محل الإقامة حتى أوظف بمنطقة بها عمل، وقد اتجهت إلى الكذب مرات عديدة حتى أحصل على وظيفة، وعند تعييني خفت من الله أن يكون هذا الرزق حراما ولم أستطع الذهاب إليه من أول يوم، فلا أعرف هل يجوز لي الكذب للضرورة من أجل العمل ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا، فأنا في حيرة شديدة . .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكذب في السيرة الذاتية من التزوير والغش، وقد حرم الله ذلك فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج:30}. وقال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم.

ثم اعلم أن الرزق بيد الله وحده وأن الإنسان مهما سعى في طلب الرزق فلن يأتيه إلا ما كتبه الله له، ومهما حيل بينه وبين رزقه فإن رزقه آتيه كما يأتيه أجله ؛ فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله. الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. وهو في الحلية لأبي نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه، وعزاه ابن حجر لابن أبي الدنيا، وذكر أن الحاكم صححه من طريق ابن مسعود.
كما أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضى، وإن الدنيا أهون من أن يضيق الإنسان ذرعاً لقلتها في يده. فلا تحزن ولا تيأس، ولا تنظر إلى من فوقك، وانظر إلى من دونك، لتدرك نعم الله عليك في الصحة والعافية والتعلم، فإن كنت فقيراً فغيرك مثقل بالديون وربما أدخل بسببها في السجون، وإن قل المال في يدك فغيرك فقد المال والصحة والولد. وإن لم تستطع الزواج لضيق ذات اليد فهناك من خلق الله من لا يستطيعه أصلا لعاهة، فارض بقضاء الله وقدره في تقسيم الأرزاق، واعلم أن الله لا يقدر لك إلا الخير، وأن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك. كما قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
ولا يعني ذلك أن تترك الأخذ بأسباب الرزق، لكن تزود بالقناعة، مع التوكل على الله، والجأ إليه بالدعاء والتضرع بين يديه لاسيما في الثلث الأخير، حيث ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له . فضع مسألتك بين يديه، واسأله الرزق الحلال، فهو الذي لا يخيب من دعاه، فيده ملآى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، ينفق كيف يشاء. ولو تضرعت بالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى.
فقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط هَم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً" قال: فقيل يا رسول الله: ألا نتعلمها فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .

وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني. رواه أبو داود.

وأكثر من الاستغفار فهو من أسباب جلب الرزق وتكفير السيئات، وجلب رضى رب الأرض والسموات. قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا .[نوح:10-12]. وقال صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ولازم تقوى الله عز وجل قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وقوله صلى الله عليه وسلم:ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار ، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني