الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم حرمان الابن الفاسق المشكك في العقيدة من الميراث أو الهبة

السؤال

ابتلاني الله بولد من أبنائي كره التعليم، وأحب صحبة الأشرار والبنات، وجلب لي المشكلات، وترك المدرسة، فاصطحبته معي عندما قدمت إلى أمريكا للعلاج، وتأملت أن يصلح حاله فأدخلته مدرسة وكان يهرب منها ويسترد جزءا من القسط المدفوع ويصرفه على اللهو والعبث إلى أن توقفت عن مساعدته وتركته يرعى شؤون نفسه، مضى عليه في أمريكا 15 عاما لم يتعلم علما ولم يتعلم حرفة أو صنعة ولم يقبل على طاعة الله بصوم وصلاة، بل يشكك في العقيدة، لأنه يعيش بلا هوية دينية أو فكرية مع العلم أن باقي إخوته من المشهود لهم بحسن الخلق والدين، وأخوه الأكبر شيخ ملتح يفهم الدين كما ينبغي، أما وقد بلغت من العمر عتيا وأرجو رحمة ربي ولقاءه بأعمال صالحة فيدور في خلدي هل هذا الرجل الذي بلغ من العمر الآن 34عاما، وبهذه الأوصاف المتقدمة تنطبق عليه أحكام الميراث؟ فلماذا لا أنفق مالي في حياتي ابتغاء مرضاة الله ولقائه بقلب سليم، لقد بحثت في المراجع المتوفرة لدي وأعرف الحديث الذى يذكر الصدقة بالثلث والثلث كثير وأعرف الحديث الذي يحض على ترك الورثة أغنياء خير من تكفف الناس، ولكن الذي يحيرني أن هذا الرجل إذا وقع في يده مال بذره وأنفقه في ما يغضب الله، لأنه عبثي ولا هدف له في الحياة ولا طاعة له لمولاه، أفيدوني زادكم الله علما ونفعكم وأثابكم بما تعلمتم.
أسأل الله أن يجنب إخوانى المسلمين هذا الابتلاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأما حالك مع ابنك هذا، فإنك وصفته مع كونه عاصيا لاهيا وما إلى ذلك من الأوصاف، بأنه يشكك في العقيدة، فإن بلغ في ذلك حد التردد، فلا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، فلا يبقى على إسلامه عندئذ، فإن الإيمان لابد لحصوله أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وراجع الفتوى رقم: 120582.

فإن كان السائل يعلم ذلك من حال ابنه ويتيقنه، فعليه أن يسعى في أن يحول بينه وبين الميراث إن مات والابن على حاله هذه، فإن غير المسلم لا يرث المسلم إجماعا، وراجع الفتوى رقم: 96466.

وأما إن كان الأمر لا يبلغ هذه الدرجة، والابن لا يزال مسلما، فلا يجوز منعه من الميراث، لأن موانع الإرث محصورة في ثلاثة أشياء:
1ـ اختلاف الدين، فلا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر.
2ـ القتل: فمن قتل مورثه لا يرث منه شيئاً.
3ـ الرق: فالعبد لايرث من مورثه الحر شيئاً.

فإذا عدمت هذه الموانع فلا يجوز حرمان أحد من ميراثه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 16957، وما أحيل عليه فيها.

وأما إن كان مراد السائل أن ينفق جميع ماله في حياته في أعمال البر، بحيث لا يترك لأحد من ورثته شيئا، فهذا قد سبق لنا بيان حكمه في الفتويين رقم:114410، ورقم: 78881.

وأما حديث سعد قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا، الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ... رواه البخاري ومسلم.

فهو في الوصية مطلقا، وفي الصدقة في مرض الموت، قال النووي: قوله: أفأتصدق بثلثي مالي ـ يحتمل أنه أراد بالصدقة الوصية، ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة، وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث وخالف أهل الظاهر فقالوا: للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح، ودليل الجمهور ظاهر حديث: الثلث كثير ـ مع حديث الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة. اهـ.

وأما إن كان مراد السائل: الهبة لورثته دون ابنه المذكور، فهذا لا بأس به على الراجح، ما دام ابنه على الحال المذكورة، قال ابن قدامة في المغني: إن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني