الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بالعافية لا يتنافى مع الصبر وثوابه

السؤال

من يشعر بألم سواء كان خفيفاً أو شديداً فإن الله يكفر عنه سيئاته أو يرفع درجاته في الجنة.
وأنا منذ عشرة أيام تقريباً أشعر بألم خفيف أسفل ظهري ولا يتركني أنام الليل، وآخذ الدواء لذلك.
سؤالي: لا أريد أن أدعو الله بالشفاء، فقط أدعوه بأن يعينني على ذكره وشكره وحسن عبادته، ولا أريد سوى القدرة على العبادة.
أريد أن أصبر على هذا الألم والذي أستطيع الصبر عليه، مع أخذي الدواء، حتى أكون من الصابرين، وأحمد الله وأشكره، لأنه حينها إما أن يكفر عني سيئاتي وإما أن يرفع درجاتي في الجنة إن شاء الله.
فما حكم عدم الدعاء بالشفاء لنفسي لأكسب حسنات وأكون من الصابرين، مع أني آخذ بالأسباب وأتناول الدواء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأمراض والآلام يكفر الله بها السيئات، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل عنه حتى الشوكة يشاكها. وفي رواية: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته.

ولكنا ننصحك بسؤال الله العافية، وطلب الشفاء منه، وبالاستعاذة به من البلاء عملا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: اسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية. رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
وروى الترمذي عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله عز وجل، قال: سل الله العافية. فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله، فقال لي: يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة. وصححه الترمذي والألباني أيضاً.

قال في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: في أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئاً يسأل الله به، دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية، ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام. انتهى.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله دائما العافية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. قال: يعني الخسف... الحديث رواه أحمد وأبوداود وغيرهما وصححه الألباني.

وقال عليه الصلاة والسلام: تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. رواه البخاري.

وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. وفي صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه. قال: نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: فدعا الله له فشفاه.

قال النووي في شرحه: في هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة، وفيه فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة... وفيه كراهة تمني البلاء. اهـ

والدعاء بالعافية لا يتنافى مع الصبر، فقد يصبر المرء على القضاء ويدعو الله أن يشفيه ويكشف عنه ما أصابه من الضر، فيجمع بين الصبر والدعاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني