الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تفسير الرؤيا أكثر من مرة

السؤال

هل يجوز تفسير الحلم أكثر من مرة ؟ خاصة إني لم أجد ردا من المفسر الأول أو لم أقتنع بتفسيره ، لأن أحد المفسرين في أحد المواقع يرفض ذك ، ويتوعد من يسأل مفسرا آخر أو يضع نفس الرؤية في منتدى آخر بأنه سيقتص منه يوم القيامة ، ويستدل على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لسيدنا أبي بكر عندما فسر رؤيا - ما معناه - : أصبت في بعض وأخطأت في بعض ، ثم رفض رسول الله - صلى الله عيه وسلم - تفسير الرؤية مرة أخرى ، هذا إلى جانب نصوص أخرى .
وسؤال آخر لحضراتكم في نفس الموضوع : هل سؤال المفسر عن تفسير حلم معين سيء يعتبر من التحدث بها ؟ لأنه كما هو معروف أن المرء منهي عن التحدث بالحلم السيء حتى لا يقع أو حتى لا يضره .
جزاكم الله خيرا وشكرا لكم مقدما .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا حرج في تفسير الحلم أكثر من مرة وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: (باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) وأسند تحته قصة أبي بكر في تعبيره لرؤيا الظلة التي تنطف السمن والعسل، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أصبت بعضا وأخطأت بعضا.

قال النووي : وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا وأن عابرها قد يصيب وقد يخطئ وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها اهـ

وقال ابن حجر في (فتح الباري): أشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره، وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب: "أصبت بعضا وأخطأت بعضا" فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح، ولا عبرة بالتعبير الأول. اهـ
وفي شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال : قال أبو عبيد وغيره من العلماء : تأويل قوله : ( الرؤيا لأول عابر ) إذا أصاب الأول وجه العبارة وإلا فهى لمن أصابها بعده ، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم ليوصل بذلك إلى مراد الله بما ضربه من الأمثال فى المنام ، فإذا اجتهد العابر وأصاب الصواب فى معرفة المراد بما ضربه الله فى المنام فلا تفسير إلا تفسيره ولا ينبغي أن يسال عنها غيره ، إلا أن يكون الأول قد قصر به تاويله فخالف اصول التأويل ، فللعابر الثانى أن يبين ماجهله ويخبر بما عنده كما فعل النبى عليه السلام بالصديق فقال : ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) ولو كانت الرؤيا لأول عابر سواء أصاب أو أخطأ ماقال له الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وأخطأت بعضا ) وقال الكرمانى : لا تغير الرؤيا عن وجهها التى رئيت له عبارة عابر ولاغيره ، وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ماجاءت نسخته من أم الكتاب ، غير أن الذى يستحب لمن لم يتدرب فى علم التأويل ولا اتسع فى التعبير الا يتعرض لما قد سبق إليه من لا يشك فى إمامته ودينه ، وله من التجربة فوق تجربته . اهـ

واما سؤال المفسر عن تفسير حلم معين فهو من التحدث بها ولذا يستحب للرائي الا يحدث برؤياه الا من يحب لما في صحيح مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني، قال فلقيت أبا قتادة فقال: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من الشيطان، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره.

وفي رواية : إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره. رواه البخاري.
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم في الرؤية المكروهة: ولا يحدث بها أحداً فسببه أنه ربما فسره تفسيراً مكروهاً على ظاهر صورتها، وكان ذلك محتملاً فوقعت بتقدير الله تعالى. اهـ

ولكن سؤال العالم بالتعبير جائز لما في الحديث : فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني