الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل هناك أحوال يقع فيها طلاق الكناية بغير نية

السؤال

قرأت في الإنترنت أن كنايات الطلاق يقع بها الطلاق مع النية فيما عدا:
1ـ حالة الغضب.
2ـ خصومة مع الزوجة.
3ـ إذا طلبت الزوجة من زوجها الطلاق.
ففي هذه الحالات الثلاث يقع طلاق الكناية بدون نية، لأن قرينة الحال تدل على ذلك، فهل ذلك الكلام صحيح أم يوجد رأي آخر؟
لأن الذي أعرفه أن الكنايات في الطلاق تقع مع نية الزوج الطلاق، وأنا كلما أتشاجر مع زوجي يقول لي لا أريدك سافري لأهلك ويقول ذلك وهو غاضب أثناء الشجار أو بعده، وأيضا أنا لا أسأل زوجي عن نيته عندما يقول مثل تلك الكنايات فهل ذلك حرام؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرت أنك قرأته في الإنترنت من التفصيل في أمر كنايات الطلاق قد قال به بعض أهل العلم، كما سنبينه لاحقا، وستكون الإجابة على سؤالك في النقاط التالية:

1ـ كناية الطلاق إذا صحبتها قرينة كخصومة أو سؤال طلاق فإنها لا تحتاج لنية على القول المعتمد عند الحنابلة جاء في الإنصاف للمرداوي: ولا يقع بكناية طلاق إلا بنية قبله، أو مع أول اللفظ، أو جزء غيره، واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز، قوله: إلا أن يأتي به في حال الخصومة والغضب، فعلى روايتين وأطلقهما في الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والشرح، والنظم، والرعايتين، وشرح ابن منجا إحداهما: يقع وإن لم يأت بالنية، وهو المذهب، اختاره ابن عبدوس في تذكرته، قال الزركشي: طلقت على المشهور والمختار لكثير من الأصحاب، وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع، والرواية الثانية: لا يقع إلا بالنية، صححه في التصحيح، قال في الخلاصة: لم يقع في الأصح، وجزم به أبو الفرج، وغيره، وهو ظاهر ما جزم به في المنور، ومنتخب الأدمي وقدمه في المحرر، والحاوي الصغير. انتهى.

2ـ الصحيح عند الحنابلة أن الكناية مع قرينة يقع بها الطلاق من غير نية، قضاء لا ديانة بمعنى أنها تبقى زوجته فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم ترفعه لقاض شرعي، جاء في الإنصاف للمرداوي أيضا: لو ادعى أنه ما أراد الطلاق أو أراد غيره دُيِّن ولم يقبل في الحكم مع سؤالها، أو خصومة وغضب على أصح الروايتين، قاله في الفروع وغيره. انتهى.

وعلى هذا القول فإذا ادعى زوجك أنه كان لا يقصد طلاقا فلا يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقع الطلاق إلا في حال المرافعة لقاض شرعي.

3ـ للحنفية تفصيل في كناية الطلاق مع قرينة أو بدونها نقتصر فيه على ما ذكره الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع لما فيه من الفائدة والوضوح حيث قال: ولا خلاف أنه لا يقع الطلاق بشيء من ألفاظ الكناية إلا بالنية فإن كان قد نوى الطلاق يقع فيما بينه وبين الله تعالى، وإن كان لم ينو لا يقع فيما بينه وبين الله تعالى، وإن ذكر شيئا من ذلك ثم قال: ما أردت به الطلاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الله تعالى يعلم سره ونجواه، وهل يدين في القضاء؟ فالحال لا يخلو إما إن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق وإما إذا كانت حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله، وإما أن كانت حالة الغضب والخصومة فإن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق يدين في القضاء في جميع الألفاظ، لما ذكرنا أن كل واحد من الألفاظ يحتمل الطلاق وغيره، والحال لا يدل على أحدهما فيسأل عن نيته ويصدق في ذلك قضاء، وإن كانت حال مذاكرة الطلاق وسؤاله أو حالة الغضب والخصومة فقد قالوا: إن الكنايات أقسام ثلاثة: في قسم منها لا يدين في الحالين جميعا، لأنه ما أراد به الطلاق لا في حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله ولا في حالة الغضب والخصومة، وفي قسم منها يدين في حال الخصومة والغضب ولا يدين في حال ذكر الطلاق وسؤاله، وفي قسم منها يدين في الحالين جميعا. انتهى.

ثم شرع في تفصيل هذه الأقسام، لكن عبارة: لا أريدك ـ الواردة في السؤال لا يقع بها الطلاق عند الإمام أبي حنيفة ولو مع نية الطلاق، جاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق وهو حنفي: وقيد المصنف بهذه الألفاظ للاحتراز عما إذا قال: لا حاجة لي فيك، أو لا أريد، أو لا أحبك، أو لا أشتهيك، أو لا رغبة لي فيك، فإنه لا يقع وإن نوى في قول أبي حنيفة، وقال ابن أبي ليلى: يقع في قوله لا حاجة لي فيك إذا نوى. انتهى.

كما أن عبارة: سافرى لأهلك ـ ونحوها لا يقع بها طلاق عند الحنفية أيضا إذا لم توجد نية الطلاق ولو مع وجود قرينة، جاء في الجوهرة النيرة على المذهب الحنفي: وَالْمَدْلُولَاتُ اذْهَبِي وَقُومِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي وَاخْرُجِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بَائِنًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ. انتهى.

4ـ إذا أخبر زوجك أنه قصد الطلاق أو أخذنا بقول من يوجب الطلاق في الحالات المسؤول عنها فإنه يكون نافذا وله أن يراجعك قبل تمام العدة إذا لم يبلغ مجموع الطلقات ثلاثا، وما تحصل به الرجعة سبق بيانه في الفتوى رقم: 30719.

وإن حصل من الطلاق ثلاث فأكثر فقد حصلت البينونة الكبرى ولا تحلين له إلا بعد زوج، مع التنبيه على أن الزوجة يلحقها الطلاق إن كانت في العصمة وقت وقوع الطلاق، لكون زوجها قد راجعها قبل تمام عدتها من الطلاق السابق، أو لم يراجعها، لكنها لا تزال في أثناء العدة من طلاق رجعي، وإن وقع منه طلاقها بعد انقطاع العصمة أو انقضاء العدة من غير ارتجاع فهو غير نافذ، لكونه لم يصادف محلا، وراجعي الفتوى رقم: 154665.

وبخصوص سؤال زوجك عن نيته هل قصد الطلاق أم لا، فالحكم فيه أنه إن كان يعرف أحكام الطلاق، وأنه يقع بالكناية إذا كانت معها نية فلا داعي لسؤاله ولا إثم عليك في ذلك، لما في سؤاله ـ حينئذ ـ من التنطع المنهي عنه شرعا، وإن كان زوجك جاهلا بما يترتب على التلفظ بكناية الطلاق فالأبرأ لك أن تسأليه عن قصده ليتبين هل قصد الطلاق أم لا، وراجعي الفتوى رقم: 132062.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني