الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المسلم الذي لا يحافظ على صحته وجسده ولا يعطيهما حقهما

السؤال

ما الحكم في من لا يعطي جسده حقه مثل الطعام والشراب والاهتمام به. وهل يكون آثما لضعف جسده رغم أن الشخص منعم ولم يحرمه الله من شيء؟
أرجو ألا يكون سؤالي غريبا، الأمر يقلقني وأحب أن أعرف ماحكم هذا الأمر.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن على المسلم أن يعطي كل ذي حق حقه دون إفراط ولا تفريط، كما جاء الأمر بذلك في نصوص الوحي من القرآن والسنة؛ قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف:31}. وقال تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]. وقال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29}. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا. الحديث.

وينبغي لمن أنعم الله تعالى عليه بنعمة أن يرى الله أثرها عليه. جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وينبغي للمسلم أن يحافظ على جسده وصحته؛ قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز.. الحديث رواه مسلم.
وانظري الفتويين: 62398، 53743.
ويجب عليه أن يتناول من الطعام والشراب ما يدفع به الضرر والأذى عن نفسه؛ فقد نص أهل العلم على وجوب تناول الطعام لمن ظن الهلاك بتركه، ولو كان من طعام الغير أو من الحرام ويأثم إذا امتنع من ذلك.

جاء في الموسوعة الفقهية: مَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْمُبَاحِ حَتَّى مَاتَ كَانَ قَاتِلاً نَفْسَهُ، مُتْلِفًا لَهَا عِنْدَ جَمِيعِ أَهْل الْعِلْمِ؛ لأِنَّ الأْكْل لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ فَرْضٌ بِمِقْدَارِ مَا يَدْفَعُ الْهَلاَكَ، فَإِنْ تَرَكَ الأْكْل وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدِ انْتَحَرَ ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيل. وَإِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ لِلأْكْل أَوِ الشُّرْبِ مِنَ الْمُحَرَّمِ كَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ .. حَتَّى ظَنَّ الْهَلاَكَ جُوعًا لَزِمَهُ الأْكْل وَالشُّرْبُ، فَإِذَا امْتَنَعَ حَتَّى مَاتَ صَارَ قَاتِلاً نَفْسَهُ.
وقال صاحب الكفاف:

وأكل ما حرم غير الخمر * والآدمي واجب للضر

وانظري الفتويين: 81050، 137659.

وإذا اندفع الضرر فلا حرج على المرء بعد ذلك يتقلل من متع الدنيا وزهرتها زهدا فيها وتواضعا لله تعالى، كما كان هدي السلف الصالح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني