الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في الدابة إذا انفلتت فأصابت آدميا أو مالا

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ حفظكم الله.
نحن فخذ من قبيلة جهينة، كنا متفقين على دفع الدية لأي شخص تلزمه دية بصك شرعي، بشرط أن لا تكون قضية الدية تخل بالأمانة أو الشرف، أو المخدرات، فنقوم بقسمة المبلغ علينا ونسدد الدية، وفي الوقت الحالي أدخل بعض جماعتنا قضية فرق الإبل حيث ( إن أي صاحب إبل تسبب إبله حادثا وتلزمه الدية نقوم بتفريقها علينا ) فصار الاختلاف بيننا، فالبعض منا وافق بحجه أنها تلزم العاقلة: القبيلة. والبعض الآخر رفض بحجة أنها عروض تجارة وفائدتها لصاحبها فقط، وأن فيها إعانة له على إهمالها وعدم المحافظة عليها وتركها سائبة.
أرجو من فضيلتكم التوضيح الشرعي وما يلزمنا تجاه ذلك .
ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمشتهر عند أهل العلم أن الإبل السائبة لا يتحمل مالكها دية، لحديث: العجماء جرحها جبار. متفق عليه.

قال ابن المنذر في الأوسط: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول ليس على صاحب الدابة المفلتة ضمان فيما أصابت. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: وإن انقلبت فأتلفت صيدا لم يضمنه لأنه لا يد له عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: العجماء جبار. وكذلك لو أتلفت آدميا لم يضمنه ... اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل بهيمة عجماء كالبقر والشاة ؛ فجناية البهائم غير مضمونة إذا فعلت لنفسها، كما لو انفلتت ممن هي في يده وأفسدت؛ فلا ضمان على أحد, ما لم تكن عقورا, ولا فرط صاحبها في حفظها في الليل، أو في أسواق المسلمين ومجامعهم, وكذا قال غير واحد: إنه إنما يكون جبارا إذا كانت منفلتة ذاهبة على وجهها ليس لها قائد أو سائق ؛ إلا الضارية. اهـ.

وقال العراقي في طرح التثريب: جرح البهيمة هدر غير مضمون, وذكر القاضي عياض والنووي وغيرهما أنه عبر بالجرح عما عداه من إتلافها سواء أكان لجرح أو غيره، سواء أكان على نفس أو مال .... اهـ.

وفي فتاوى السٌغدي الحنفي المسماة بالنتف في الفتاوى: وجناية الدابة على ثمانية أوجه : 1 الراكب 2 والقائد 3 والسائق 4 والمرتدف 5 والناخس 6 والمرسلة 7 والمنفلتة 8 والمسيبة.

فأما الراكب إذا سار على الدابة فوطئت الدابة إنسانا أو غير إنسان، أو كدمته أو خبطته بيد أو برجل أو صدمته، أو رمحت بحافرها حجارة فعطب بذلك إنسان أو غير إنسان أو مال. فعلى الراكب الضمان. فإن كانت الجناية على إنسان فعلى عاقلته، وإن كانت على غير إنسان ففي ماله ولا كفارة عليه في شيء من ذلك، ما خلا خصلة واحدة وهو أن تكون وطئت إنسانا وهو راكب فعليه الكفارة. ولو نفحت الدابة برجلها أو بذنبها وهي تسير فأعطبت إنسانا أو مالا فلا ضمان عليه في ذلك، وكذلك المهر والفصيل يتبع أمه فيجيء على ماذكرنا من الجناية فإنه لا يضمن.

وحكم القائد والسائق والمرتدف كحكم الراكب إلا أن الكفارة تكون على الراكب وليس على غيره الكفارة فيمن هلك. ولو راثت الدابة أو بالت أو أثارت غبارا فأفسدت متاعا فلا ضمان عليه.

وأما الناخس إذا نخس دابة عليها راكب فنفحت رجلا وقتلته دون الراكب، وكذلك ما أعطب من تلك النخسة من رمي الدابة راكبها ومن وثوبها على غيره كان ضامنا لذلك كله.

ومن قاد قطارا أو ساقه فما أعطب أول القطار أو آخر بيد أو رجل، أو صدم إنسانا فمات كان الضمان على السائق والقائد ولا كفارة عليه.

وأما المرسل إذا أرسل دابة في طريق أو سكة فما أصابته في نفورها ذلك من شيء فالضمان على المرسل، وإن طال ذلك ولم يكن هو خلفها بعد ما مشت بذلك الإرسال، وإن عدلت عن الطريق الذي أمامها إلى ما سواه فقد خرجت من إرساله ولا يكون ضمانا لما عطبت بعد ذلك. وأما المنفلتة فهي الدابة التي تخرج من مربطها وتذهب. فما عطبت من شيء فلا ضمان على أحد.

وأما المسيبة فهي التي يسيبها صاحبها في المرعى فأصابت شيئا فأهلكته فلا ضمان في شيء من ذلك، وحكمها حكم المنفلتة بعينها عملا بحديث: العجماء جبار. اهـ.

وفي فتاوى الأزهر: المنصوص عليه شرعا أن الدابة إذا انفلتت فأصابت آدميا أو مالا نهارا أو ليلا لا يضمن صاحبها . لقوله صلى الله عليه وسلم: ( العجماء جبار ) أى فعل العجماء هدر - قال محمد: هي المنفلتة، لأن فعلها مقتصر عليها غير مضاف إلى صاحبها، لعدم ما يوجب نسبته إليه من الركوب أو السوق ونحوهما، لأن فعلها إنما يضاف إليه إذا كان راكبا أو سائقا لها استحسانا، صيانة للأنفس والأموال، فإذا لم يوجد منه السوق لها بقي فعلها على الأصل منسوبا إليها ولا يجوز إضافته إليه لعدم الفعل منه مباشرة أو تسببا ....اهـ.

وذهبت طائفة من أهل العلم: إلى أن صاحب الدابة إذا فرط في حفظها ضمن ما أتلفت ليلا أو نهارا.

جاء في شرح الشيخ البسام لعمدة الأحكام بتصرف: كمن يسيب إبله ويتركها ترعى قريبا من الطرق المعبدة، فإذا اصطدمت بها سيارة فتسبب ذلك في تلف السيارة، أو ضرر على سائقها أو ركابها لزم مالك الدابة ضمان ما أتلفته. انتهى.

وبناء عليه يعلم أنه لا بد من النظر في حال هذه الدواب وسؤال أهل العلم ببلدكم عنها هل يلزم صاحبها شيء أم لا؟ فإذا ثبت عندهم وجوب الدية على مالك الدابة فإن عاقلته يلزمها مشاركته في ذلك.

ففي تبصرة الحكام: فرع: قال ابن المواز: ولو انفلتت دابة من رجل فنادى بآخر ليحبسها له، فلم يرض أن يعترض لإمساكها حتى صدمته فقتلته, لنظرت فإن كانت أفلتت من يد رجل لزمت الدية عاقلته, وإن كانت أفلتت من قيودها فهو جبار, وقد سمعت أصبغ ونزلت في رجل دابة معه لمرعاها, فجذبت الرسن من يده وجرت فصدمت إنسانا فقتلته, أن على عاقلته الدية مثل ما لو كان راكبا فغلبته وصدمت به رجلا. اهـ.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح روض الطالب: ( وإن دخلت دابة ملكه فرمحته فمات فكإتلافها زرعه ) في الضمان وعدمه فيفرق بين الليل والنهار ( والدية إن وجبت ) تكون ( على عاقلة مالكها ) أي الدابة كحفر البئر. اهـ.

وفي حاشية الصاوي: فإن انفلتت دابة فنادى ربها رجلا بإمساكها فأمسكها، أو أمره بسقيها ففعل، فقتلته أو قطعت له عضوا لم يضمن ربها، كعدم ضمان راكب وسائق وقائد ما حصل من فلوها يعني ولدها, فإن نادى صبيا أو عبدا بإمساكها أو سقيها فأتلفته فقيمة العبد, ودية الصبي على عاقلة الآمر, كناخس دابة فقتلت رجلا فعلى عاقلة الناخس, فإن قتلت رجلا في مسك الصبي أو العبد أو أمرهما بسقيها فعلى عاقلة الصبي ولا رجوع لهم على عاقلة الآمر. اهـ.

وقال النفراوي في الفواكه الدواني: من دفع لصبي دابته أو سلاحه ليمسكه فعطب بذلك فديته على عاقلة الدافع ...ولو حمل صبيا على دابته يمسكها له أو يسقيها فوطئت رجلا فقتلته فالدية على عاقلة الصغير ولا رجوع لعاقلته على عاقلة الرجل, ولعل المراد بالصغير المراهق .... اهـ.


والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني