الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى اعتبار قضاء المحكمة لهذه المرأة بهذه المبالغ

السؤال

أخي العزيز، أنا أعمل في بلد أوروبي، وقبل ذلك كنت أعمل في بلد عربي. وكانت لدى أسرتي صديقة تحمل جنسية أوروبية. ولما كانت ثقتي فيها كبيرة، سألتها ذات مرة عما إذا كان بإمكانها أن نتزوج بعقد رسمي كي أحصل على الإقامة في بلد أوروبي وأذهب للعمل هناك. قبلت الصديقة طلبي ولم تكن لها أي شروط للموافقة عليه، بل إنها فعلت ذلك خدمةً لي ولأسرتي إذ كنا جيران وأصدقاء مقربين. كل شيء تم على ما يرام، وبعد شهور حصلت على وثائق الإقامة الرسمية. ومنذ ذلك الوقت، تزوجت من امرأة أخرى زواجاً شرعياً. وتعرف جارتي زوجتي بل إنهما كانتا صديقتين، فقد التقينا مرات كثيرة، وكانت تلك اللقاءات تتم دائماً في جو من الاحترام المتبادل. وبعد مرور عدة سنوات على الزواج الرسمي، وتحديداً عندما حان وقت حصولي على الجنسية الأوروبية، بدأت جارتي تغير رأيها وتطلب مني أن نشرع في إجراءات الطلاق. فطلبت منها أن تنتظر سنة أخرى فقط حتى ينتهي الأمر، وعرضت عليها عن طيب خاطر، مبلغاً يزيد على 35 ألف يورو لمجرد أن تنتظر تلك السنة. لكنها رفضت وشرعت بمساعدة المحامين وأفراد أسرتها في إجراءات الطلاق أمام المحكمة في ذلك البلد. ورفضت جميع الحلول الودية وأصرت على الاستمرار في إجراءات الدعوى حتى النهاية حسب القوانين الأوروبية. واستغرق نظر المحكمة في القضية ثلاث سنوات دفعتُ خلالها ما يزيد على 20 ألف يورو للمحامين. وقضى القاضي بأن أدفع لها نصف مدخراتي، أي ما يزيد على 25 ألف يورو، وراتباً شهرياً طيلة السنوات التي استغرقها النظر في القضية، أي نحو 40 ألف يورو.
الأكيد أن هذا لم يكن ما اتفقنا عليه في البداية. فلم يكن الأمر بيننا صفقة مالية إطلاقاً. ولم يسبق أن قالت لي إنها ستتخلى عني في منتصف الطريق.
سؤالي هو: هل المال الذي انتزعته مني بواسطة المحاكم كسب حلال أم حرام؟
من ناحية أخرى، قالت جارتي للسلطات إني لم أتزوجها قط إلاّ طمعاً في الحصول على وثائق الإقامة وادّعت أنني كذبت عليها. مع أنها كانت تعلم يقيناً أن زواجنا كان خدمةً قدمَتها من أجل حصولي على الأوراق ولا شيء آخر عدا ذلك. كما أنني لم أعش قط مع تلك السيدة في مسكن واحد. وهذا يعني أنها خدعتني وغدرت بي بعد أن استأمنتها على جميع أسراري.
أدرك تماماً وأعترف بأن الأمر كان غلطة منذ البداية، لكن ما حصل قد حصل الآن وأسأل الله المغفرة.
أرجو الاستنارة برأيكم في هذا الخصوص، مع أنني قد دفعت لها الآن كل تلك المبالغ، كما أتمنى أن توجِّهوا إليها نصيحة في هذا الشأن.
مع جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان هذا الزواج صوريا بمعنى أنه لم تراع فيه أصلا أركان النكاح وشروطه، فلا تعتبر هذه المرأة زوجة لك بذلك، فلا يحتاج الأمر إلى طلاق، ولا تستحق المرأة شيئا. وأما إن كان هذا الزواج مستوفيا للأركان والشروط، خاليا مما ينافي مقتضى العقد فهو زواج صحيح تترتب عليه آثاره، ولا يضر كونه بقصد الحصول على الجنسية، وراجع لمزيد الفائدة في الفتوى رقم: 96241. حكم الزواج الصوري وما يترتب عليه ظاهرا وباطنا.

وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية لغير ضرورة، وفي حالة ما إذا كان العقد صحيحا فالطلاق الذي توقعه المحاكم الوضعية لا ينفذ كما هو مبين بالفتوى رقم: 31739. فإذا طلقتها، أو صدر الطلاق من جهة معتبرة شرعا كالمراكز الإسلامية نفذ، وحقوق المطلقة يختلف باختلاف حال الطلاق أي قبل الدخول والخلوة الصحيحة أو بعد الدخول، ولمعرفة تفاصيل ذلك راجع الفتوى رقم: 20270 والفتوى رقم: 22068. وبهذا يتبين أن هذه المرأة لا يحل لها أن تأخذ ما قضت به هذه المحكمة من استحقاقها نصف المدخرات، أو راتبا شهريا عن السنوات الثلاث التي استغرقتها القضية. ولكن إن كنت قد دخلت بها، أو خلوت بها خلوة صحيحة، فإنها تستحق النفقة من حين الدخول، أو من حين حصول الخلوة، وانظر الفتوى رقم: 96298.

ونرجو أن يكون ما حصل درسا لك ولغيرك ممن يقدم مثل هذا النوع من الزواج لأجل تحقيق مثل هذ الأغراض، فالزواج آية من آيات الله، وعهد وميثاق بين الزوجين، وله مقاصده النبيلة فلا يجوز أن يتخذ ألعوبة، قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا{البقرة:231}. وسبق أن بينا أنه لا يجوز للمسلم السعي إلى الحصول على جنسية دولة كافرة لغير ضرورة لما يترتبت على ذلك من محاذير شرعية، فيمكن مطالعة فتوانا بالرقم: 130798.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني