الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نسب الولد من المرأة المتزوجة إذا زنت

السؤال

سأحاول الاختصار في التفاصيل قدر الإمكان. أنا امرأة متزوجة ولدي ثلاثة أطفال. منذ 11 شهر تعرفت على شاب بالصدفة خلال أعمال تطوعية، وتعاملنا معا لفترة من الوقت, لا أدري كيف تمكن بعدها من سحبي إلى أوحال الرذيلة، وتمكن من إقناعي بممارسة الزنا معه، بعد أن كنت إنسانة ملتزمة جدا، لا أضيع فرضا ولا نافلة، وأقرأ كل يوم جزءا كاملا من القرآن الكريم، والجميع يشهدون لي بالدين وحسن الخلق. وما أبرئ نفسي، ولا أنكر أنني أطعته فيما أراد برغبتي وقتها، لكنني -ويشهد الله- تبت منذ ذلك اليوم, وقررت ألا أراه بعدها أبداً وكانت توبة نصوحا، ولله الحمد تاب علي الله, وأعلم يقينا أنه قد غفر لي, وعدت كما كنت سابقا بل ربما أكثر التزاما وحرصا، لكن إرادة الله شاءت أن تسفر هذه الخطيئة من مرة واحدة عن حدوث حمل. لا أخفيكم سرا كيف كانت نفسيتي في تلك الفترة، وأرسلت إلى أحد مواقع الإفتاء وشرحت كل ما أشعر به، وأجابوني وأفادوني أفادهم الله.
عندما كان حملي في بداياته حاولت عدة مرات التخلص منه، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل واستمر الحمل, وها قد أنجبت الطفلة منذ عدة أيام.
هذا ما أريد السؤال عنه. أرجوكم أن تساعدوني على التأقلم مع هذا الأمر، فأنا على وشك الجنون، وكدت اليوم أن أصرخ بأعلى صوتي وأردت بشدة أن أضرب رأسي في الحائط حتى أحطمه.
سأشرح في عجالة بعض الأمور التي تعتصرني:
أولا أشعر بالذنب تجاه زوجي، لأنني أدخلت إليه طفلة غريبة عنه، وأموت من شدة الألم وأنا أراه وهو يحتضنها بكل الحب ويداعبها, لدرجة أنه قد حدثتني نفسي أن أعترف له بالحقيقة، لكنني أدرك تبعات هذا الأمر فحينها سأخسر كل شيء: بيتي، وزوجي، وأولادي الأربعة، وسمعتي, فتراجعت عن رغبتي في الاعتراف، لكنني أموت من الألم كل ثانية من عمري.
شيء آخر: أشعر بأن هذه الطفلة مختلفة أو بمعنى آخر غريبة عن أولادي لأنها أختهم لأمهم فقط.
أمر آخر: أصبحت لدي مشاعر مختلطة تجاه الطفلة، فأنا أحبها جدا ولكنني أجدني في بعض الأحيان أكرهها وبشدة؛ لأنها تذكرني بذنبي رغم علمي يقينا أنها لا ذنب لها، وأن هذا ما جنيته على نفسي وليس لأحد ذنب فيه.
أتساءل كثيرا: ترى ما حكمة الله في أن يرزقني بهذه الطفلة؟؟؟ حدث حملها بمنتهى السهولة ومن محاولة وحيدة، وقاومت وهي في رحمي كل محاولات التخلص منها؟؟؟ أحاول أن أجد بعض الإجابات وأبررها لعلي أتمكن من التوافق النفسي مع الأمر لأنني والله على حافة الجنون, فأقول أحياناً: هو عقاب من الله لي على فعلتي الشنيعة، والحمد لله أن عاقبني بها في الدنيا ولم يمسك عني ليعاقبني في الآخرة. ثم أقول لنفسي: ربما هي مكافأة من الله لي لأنه يعلم يقينا أنني سأتوب وأندم وأعود إلى ما كنت عليه من التقوى والإيمان. وأحاول أن أصبر نفسي بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش.. لكن يا فضيلة المفتي كل الطرق لم تعد تجدي معي نفعا. لا أعلم كيف سأقضي حياتي في هذا الكم من الصراعات والآلام النفسية. أشعر بأن قلبي سيتوقف لشدة حزني.
أفيدوني بما عندكم أفادكم الله. ما يعذبني كثيرا أنه ليس لزوجي فيها شيء, لذا أريد أن أسأل: بما أنه في حال أرضعت أي امرأة طفلا تصبح أمه من الرضاعة وزوجها والده بالرضاعة, قياساً عليه هل يعتبر زوجي أبا شرعيا لطفلتي هذه بحكم أني أرضعها وهو زوجي؟ ربما إن كانت الإجابة بنعم فربما يخفف هذا الأمر عني كثيراً حين أشعر أنها ابنته ولو من الرضاعة. يغمرني الاكتئاب وأخشى من أن أقدم على أي قرار قد يجعلني أخسر حياتي أو طفلتي أو بيتي وأولادي.
ادعو لي بأن يفرج الله همي، وأن تنسيني الحياة من أين أتت هذه الطفلة، وأن أتمكن يوما ما من اعتبارها فردا شرعيا في أسرتي.
وسؤال آخر: لزوجي أخ. ما حكم تعامله معها حين تكبر؟؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. أفيدوني أرجوكم بما أفادكم الله من العلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا نوصيك ونؤكد عليك بأن تحرصي على تهوين الأمر على نفسك، وأن تكثري من ذكر الله تعالى، فذلك من أعظم ما يعينك على تهدئة خواطرك، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، وإن اقتضى الأمر مراجعة بعض الثقات من الأطباء النفسيين فافعلي، مع الستر على نفسك وعدم إخباره بحقيقة الأمر، فربما تجدين عنده بعض التوجيهات التي تعينك على الهدوء. وتذكري هنا ما أنعم الله به عليك من التوبة النصوح، وعودتك بعد هذا الذنب إلى حال هو أحسن مما كنت عليه سابقا، ففي هذا من الخير ما يبعث على الطمأنينة.

قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الوابل الصيب: فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من أبواب ( التوبة ) والندم والانكسار والذل والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه، بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته، حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أوقعه. وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار. قالوا: كيف ؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجلا باكيا نادما، مستحيا من ربه تعالى، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة.....اهـ.

ونذكرك بهذه المناسبة بوجوب التوبة مما كنت عازمة عليه من إجهاض الحمل، واحمدي ربك أنه لم يتم، فالإجهاض جرم عظيم ولو كان الجنين في طور النطفة؛ كما هو مبين بالفتوى رقم: 35536.

وبالنسبة لزوجك فهذه البنت ابنة له شرعا؛ كما سبق وأن بينا لك في جواب سؤالك الذي أوردته إلينا، وهو برقم: 165925فهي ابنته من جهة النسب لا لمجرد إرضاعك لها، وإخوته أعمام لها، تعاملهم على هذا الأساس ويعاملونها عليه.. إذن فالأمر محسوم من هذه الجهة.

واستسلامك للخواطر التي تنتابك واسترسالك معها فيه ضرر كبير عليك، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واصدقي ربك وتوجهي إليه بالدعاء يكشف عنك ما تجدينه بإذنه سبحانه، قال تعالى:أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وراجعي الفتوى رقم: 119608.

نسأله سبحانه أن يدفع عنك كل هم وأن يفرج عنك كل كرب بمنه وكرمه تعالى.

وإخبارك زوجك بحقيقة ما حدث إضافة إلى كونه مخالفا لما أمر به الشرع من الستر على النفس ربما ترتب عليه كثير من العواقب غير الحميدة، فلا تقدمي على ذلك أبدا، واستأنفي حياتك مع زوجك كأن شيئا لم يكن، وأكثري من الدعاء له بخير. وجاهدي نفسك في أن يكون تعاملك مع هذه الطفلة على الحال الطبيعي كبقية إخوتها، وادفعي عنك أي مشاعر سيئة تجاهها. وقد ذكرت أنك تحبينها فالحمد لله على ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني