الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجلوس عند من تحدث بالكفر.. الحكم.. والواجب

السؤال

قال محدثي (هازلا) في حوار إنه "بعد إنهائه العمل في شركة معينة، إما سيصبح رسولا، أو وزير خارجية (لكثرة المشاكل التي اعترضته ووجب عليه حلها) . فتبسمت في بادئ الأمر لقوله لكي أجاريه (لكونه رئيسي في العمل) ثم ندمت على مجاراته (دامت مجاراته بضع ثوان)، فأنكرته بقلبي، وبملامح وجهي، ولكن لم أنكر ذلك عليه قولا.
هل أكون قد كفرت بمجاراته في بادئ الأمر؟ وهل إنكاري لذلك بقلبي بعد ذلك منج لي من الكفر؟ وإذا كفرت فماذا يترتب علي؟ وما هي الطريقة الأمثل لإنكار هذا في المستقبل؟ وما هو الدليل الممكن قوله؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من جلس إلى شخص يتحدث بالكفر، وكان قلب هذا الجالس المستمع مطمئنا بالإيمان، فإنه لا يكفر بذلك. وأما المماثلة في قوله تعالى: إنكم إذاً مثلهم ـ فلا تعني المماثلة في الكفر، وإنما المشاركة في الإثم.

قال ابن كثير في تفسيره: أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويُستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال الله تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ـ في المأثم. اهـ.

وقال النسفي: { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } [النساء : 140] أي في الوزر إذا مكثتم معهم، ولم يرد به التمثيل من كل وجه، فإن خوض المنافقين فيه كفر، ومكث هؤلاء معهم معصية. اهـ.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: هذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقاً بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنّكم تصيرون مثلهم في التلبّس بالمعاصي. اهـ.

والواجب على المسلم أن ينكر المنكر ما استطاع، وأضعف الإيمان أن ينكر بقلبه. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: فالرجل لو يسمع الكفر، والكذب، والغيبة، والغناء، والشبابة من غير قصد منه، بل كان مجتازا بطريق فسمع ذلك لم يأثم بذلك باتفاق المسلمين، ولو جلس واستمع إلى ذلك ولم ينكره لا بقلبه، ولا بلسانه، ولا يده، كان آثما باتفاق المسلمين، كما قال تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون. وقال تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ـ فجعل القاعد المستمع من غير إنكار بمنزلة الفاعل، ولهذا يقال: المستمع شريك المغتاب، وفي الأثر: من شهد المعصية وكرهها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها ورضيها كان كمن شهدها ـ فإذا شهدها لحاجة أو لإكراه أنكرها بقلبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. انتهى.

وبغض السائل لما حصل وإنكاره له بقلبه، وعدم الرضا بهذا، يفيد عدم كفره. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم.

قال السيوطي في (الديباج): أي هو المؤاخذ المعاقب. اهـ.

وكان ينبغي عليك أن تبادر بقولك: إنه لا نبوة ولا رسالة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو هذا، مما يفيد إنكارك، ويقدم النصح لمحدثك ليرجع عن قوله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني