الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء

السؤال

تعرفون قصة الذي قتل مائة وتاب الله عليه، السؤال هنا مادام أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، لأنه حق آدمي، فما بالك بالآدمي نفسه، فكيف يغفر لمن قتل مائة ولا يغفر لمن أخذ حقًا من حقوق الناس دون أن يعمل على إرجاعها، كما مثلت لكم بالدين مثلا؟
والدليل على كلامي أن الصحابة تعددت آراؤهم حول هل للقاتل العمد توبة؟ وتعرفون قصة ابن عباس الشهيرة، وما أود الوصول إليه لو أن حاكمًا لبلاد قتل وفسق وخان الله ورسوله، وقبل وفاته أصيب بمرض خطير وتاب. فهل ينجو يوم القيامة، أم إنه على خطر وأمره إلى الله؟
أرجو أن ترحبوا بالسؤال خاصة أنه يتعلق بالعقائد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

لقد ذكر الله لنا في كتابه أنه يغفر جميع الذنوب، إلا إذا كان هذا الذنب شركاً، فإنه لا يغفره، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:48}، فيكون القاتل للمائة نفس داخلاً تحت هذه المشيئة إن شاء غفر له، وعفو الله واسع وإن شاء حاسبه.

والشهيد وغيره من الناس إن كان قد أخذ المال على وجه الاستدانة، وفي نيته أن يقضي ما عليه ثم مات قبل تمكنه من ذلك، فإن الله سبحانه يؤدي عنه، كما قال عليه الصلاة والسلام: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. رواه أحمد وهو صحيح.

وأما ما ذكرته بخصوص أثر ابن عباس رضي الله عنهما، فإن السائل الذي جاء يسأله كان على هيئة يظهر منها غضبه، وأنه يريد الانتقام، فلما رأى ابن عباس حالته هذه، أفتاه بعدم قبول توبة من متعمد للقتل، وهذا من فقهه رضي الله عنه حتى يردعه ويزجره عن فعله، وإلا فابن عباس رضي الله عنهما لا تخفى عليه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:48}.

وأما بخصوص الجزء الأخير من سؤالك، فإنه يقال: إن من أخذ أموال الناس بالباطل وبغير حقٍ، فلا شك أنه يأثم بهذا الفعل، وتبقى هذه الحقوق في ذمته، فإن تاب ورجع إلى الله، فإن عفو الله واسع، ويبقى أمره إلى الله فيما ارتكبه بينه وبين الناس، إن شاء الله أدى عنه هذه الحقوق وأدخله الجنة، وإن شاء حاسبه بها، كما يدل على ذلك الحديث الصحيح: أتدرون من المفلس؟ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو صحيح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني