الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قول العيني في شأن الاقتتال على الخلافة توضيح لحديث أبي برزة

السؤال

كيف عرف الشارح للبخاري أنهم يقاتلون لأجل الدنيا ؟ وهل يقصد أنه النفاق؟
حيث إن الذي عليهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا. عمدة القاري شرح صحيح البخاري = الجزء 35 - الصفحة 176.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الكلام ساقه العيني مبينا به معنى حديث أبي برزة الأسلمي، ولم يأت به اجتهادا من نفسه.

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه. وذكر في الباب حديث أبي برزة، عن عوف عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم به: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشأم والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا.

فقال العيني عند ذلك مبينا وجه مطابقة الحديث لترجمة الباب: مطابقته للترجمة من حيث إن الذي عليهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق، وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا.

وبهذا تعلم أن العيني إنما شرح معنى كلام أبي برزة الأسلمي، وأما أبو برزة فإنما قال هذا القول لما رأى من حال هؤلاء، واقتتالهم على أمر الخلافة وتنازعهم عليها، وقد كان الخلفاء قبلهم لا شك أحرص على مصلحة الأمة، وأدرى بسياسة الرعية فلم يقتتلوا على الخلافة ولم يتنازعوها مثل ما فعل هؤلاء.

ويوضح هذا قول ابن بطال : وأما قول أبي برزة: (إنى أحتسبُ عند الله أني أصبحت ساخطًا على أحياء قريش) فوجه موافقته الترجمة أن هذا قول لم يقله عند مروان حين بايعه بل بايع واتبع، ثم سخط ذلك لما بعد عنه، وكأنه أراد منه أن يترك ما نوزع فيه للآخرة ولا يقاتل عليه كما فعل عثمان فلم يقاتل من نازعه، بل ترك ذلك لمن قاتله عليه، وكما فعل الحسن بن علي حين ترك القتال لمعاوية حين نازعه أمر الخلافة، فسخط أبو برزة من مروان تمسكه بالخلافة والقتال عليها، فقد تبين أن قوله لأبي المنهال وابنه بخلاف ما قال لمروان حين بايع له، وأما يمينه أن الذي بالشام إن يقاتل إلا على الدنيا، فوجهه أنه كان يريد أن يأخذ بسيرة عثمان والحسن رضي الله عنهما .

وهذا القول من أبي برزة اجتهاد منه رضي الله عنه ، والأصل الإمساك عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، واعتقاد أنهم بين مجتهد مصيب له أجران ، ومجتهد مخطئ له أجر واحد .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني