الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط العذر بالجهل من عدمه

السؤال

كثر الخلاف في مسألة العذر بالجهل وهل هي خلافية أم لا؟ حيث هناك قسم يقول إنها خلافية والخلاف فيها خلاف فقهي وقسم يقول إنها ليست خلافية بل قول أهل السنة والجماعة أنه لا يوجد عذر بالجهل والمخالف فيها متلبس ببدعة؟ نرجو منكم ذكر الأدله من الطرفين كما آمل منكم أن تخبروني عن فضيلة الشيخ الذي سيجيب على السؤال. وبارك الله فيكم وأدام علمكم وفضلكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالعذر بالجهل يختلف باختلاف المسائل واختلاف الأشخاص، فهناك مسائل لا يعذر فيها بالجهل إلا لمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة.
وهذه المسائل منها ما هي مسائل علمية كالإيمان بالقدر ونحوه، ومنها ما هي مسائل عملية كوجوب الصلاة والزكاة أو تحريم الظلم والكذب ونحو ذلك. فمن نشأ في أوساط المسلمين لا يعذر بالجهل في هذه المسائل، وأما إذا نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بالإسلام فإنه يعذر بجهله فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحده وما يجحده حتى تقوم عليه الحجة.
وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص أو سمعها، ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر وجب تأويلها، وإن كان مخطئاً.
وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: إذا أنت مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك.

وقال شيخ الإسلام أيضاً: وأما الفرائض الأربع، فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك.
وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون: حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك.

وقال السيوطي: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنى والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم. ا.هـ.
فهذه إشارة موجزة فيها ضابط للمسائل التي لا يعذر فيها بالجهل، وفيها بيان لمن هو الذي يعذر فيها بالجهل. وهذا هو الحق الذي نعتقده في هذه المسألة.
ونعتذر للأخ السائل عن ذكر اختلاف العلماء وأقوالهم في هذه المسألة، لأن ذلك ربما استغرق مجلداً كاملاً.
نسأل الله تعالى أن يجمع شمل الأمة على الحق.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني