الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مخالفة أصحاب الأئمة الأربعة لهم من مناقب الجميع

السؤال

لماذا تلاميذ أبي حنيفة وتلاميذ الإمام أحمد ومالك يخالفونهم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمخالفة أصحاب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد لأئمتهم من أعظم محاسن هؤلاء الأئمة الكبار وأصحابهم رحمهم الله جميعا، فإنهم جميعا يتحرون ما دلت عليه النصوص ويتبعون ما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة، فإذا ظهر للتلميذ من أصحاب الأئمة ترجيح يخالف ما اعتمده شيخه وإمامه فإنه لا يجد بدا من ترك قول إمامه واتباع ما دل عليه النص، فإن العصمة لم تضمن لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجب اتباع أحد في جميع ما يقوله إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه صلى الله عليه وسلم، وهذه هي وصية الأئمة لأتباعهم فإنهم جميعا أوصوا باتباع الكتاب والسنة وإن خالف ما قالوه، فحين يخالف الأصحاب الأئمة في بعض الفروع فإنهم متبعون لهم في الحقيقة في هذا الأصل العظيم وهو تقديم النص من الكتاب والسنة على ما عداه وعدم معارضته بقول أحد من الرجال كائنا من كان، وقد حكى الشافعي الإجماع على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد، قال الصنعاني رحمه الله: وَأما الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فَإِن كلا مِنْهُم مُصَرح بِأَنَّهُ لايقدم قَوْله على قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد حَيَاة السندي نزيل طيبَة رَحمَه الله فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة تحفة الْأَنَام فِي الْعَمَل بِحَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لَفظه فِي رَوْضَة الْعلمَاء فِي فضل الصَّحَابَة سُئِلَ أَبُو حنيفَة إِذا قلت قولا وَكتاب الله يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي لكتاب الله فَقيل إِذا كَانَ خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخالفه قَالَ اتْرُكُوا قولي لخَبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ إِذا كَانَ قَول الصَّحَابَة يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي لقَوْل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ إِنَّه روى لَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول إِذا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلى الرَّأْس وَالْعين وَإِذا جَاءَ عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَخْتَار من قَوْلهم وَإِذا جَاءَ عَن التَّابِعين زاحمناهم انْتهى أما الشَّافِعِي رَحمَه الله فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن حَيَاة روى الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عِنْد الْكَلَام على الْقِرَاءَة بِسَنَدِهِ قَالَ الشَّافِعِي إِذا قلت قولا وَكَانَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلَافه فَمَا يَصح من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى فَلَا تقلدوني وَنقل إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي نهايته عَن الشَّافِعِي إذا صح خبر يخالف مذهبي فاتبعوه واعلموا أنه مذهبي... وقال أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الْأَوْزَاعِيّ وَخذ من حَيْثُ أخذُوا وَقَالَ من قلَّة فقه الرجل أَن يُقَلّد دينه الرِّجَال وَقَالَ الشَّافِعِي أجمع النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد. انتهى مختصرا.

ونصوص الأئمة في هذا المعنى كثيرة جدا، وراجع إن شئت كتاب إيقاظ همم أولي الأبصارللفلاني المالكي رحمه الله ففيه من النقول في هذا الباب الكثير الطيب. والخلاصة أن ما ذكرته في سؤالك عن أصحاب الأئمة هو من أعظم مناقبهم ومناقب أولئك الأئمة الأعلام رحم الله الجميع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني