الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعريف أهل العلم للطاغوت

السؤال

ما الضابط في الطاغوت الذي يكفر من لا يكفر به، لأنني أرى كثيرا من العلماء يطلقون على المشرع من دون الله أنه طاغوت، مع العلم أن كثيرا من المعاصرين يعتبرونه كفرا أصغر إن لم يستحل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أمر الله عباده بالكفر بالطاغوت، فقال سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256}.

قال النووي: قال الليث، وأبو عبيدة، والكسائي، وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى. اهـ.

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، والحظ الأكبر من ذلك للشيطان.اهـ. وقال ابن عطية: وقال بعض العلماء: كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. وهذه تسمية صحيحة في كل معبود يرضى ذلك كفرعون ونمرود ونحوه، وأما من لا يرضى ذلك كعزير وعيسى عليهما السلام، ومن لا يعقل كالأوثان فسميت طاغوتا في حق العبدة، وذلك مجاز، إذ هي بسبب الطاغوت الذي يأمر بذلك ويحسنه وهو الشيطان. اهـ.

فمعنى الكفر بالطاغوت - بهذا التعريف -: الكفر بعبادته من دون الله، ثم إن كان هذا المعبود من دون الله راضيا حكم بكفره.

وعرف بعض العلماء الطاغوت بتعاريف أخرى.

قال ابن تيمية: الطاغوت فعلوت من الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحد وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك طاغوت، ولهذا سمى النبي الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: و يتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت. والمطاع في معصية الله، والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت. اهـ.

وقال ابن القيم: الطاغوت كل ما تجاوز العبد به حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع. اهـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: والطواغيت كثيرة، والمتبين لنا منهم خمسة: أولهم: الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عُبد فرضي، والعامل بغير علم.

وراجع الفتويين: 49669 8937

أما تشريع القوانين التي تحل الحرام وتحرم الحلال والحكم بها - ولو دون إظهار استحلال - كفر أكبر، ونقل بعض العلماء الإجماع عليه.

قال ابن تيمية: والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال - المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء. اهـ.

وقال ابن كثير: فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين. اهـ.

وقال محمد الأمين الشنقيطي: أما من شرع قانونا يحل فيه الحرام ويحرم الحلال فكفره كفر أكبر، وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 9430

ولا إشكال في إطلاق وصف الطاغوت على المشرع من دون الله، ولو قيل بأن ذلك كفر أصغر لأنه تجاوز حده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني