الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحائض كيف تنال حفظ الله وهي لا تصلي الصبح

السؤال

قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ" فإذا أرادت المرأة هذا الحفظ والرعاية من الله فكيف تحصل عليه إن كانت حائضًا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا فات المرأة الحائض أن تحصل على حفظ الله من هذه الجهة, فإن ثَمَّ طرقًا كثيرة بينها النبي صلى الله عليه وسلم ينال العبد بها حفظ الله تعالى، فمن ذلك قول:"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء, وهو السميع العليم" ثلاث مرات في الصباح والمساء، فعن عثمان - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ الله الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مرات فيضره شيء. رواه الترمذي وابن ماجه, وكذا "قل هو الله أحد" والمعوذتان ثلاث مرات في الصباح والمساء، فعن عبد الله بن خبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شيء.

وطاعة الله تعالى في الجملة, وحفظ حدوده, ورعاية حقوقه سبحانه هي من أعظم أسباب نيل حفظه سبحانه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته المشهورة لابن عباس - رضي الله عنهما -: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك, قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْفَظِ اللَّهَ " يَعْنِي: احْفَظْ حُدُودَهُ، وَحُقُوقَهُ، وَأَوَامِرَهُ، وَنَوَاهِيَهُ، وَحِفْظُ ذَلِكَ: هُوَ الْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ بِالِامْتِثَالِ، وَعِنْدَ نَوَاهِيهِ بِالِاجْتِنَابِ، وَعِنْدَ حُدُودِهِ فَلَا يَتَجَاوَزُ مَا أَمَرَ بِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْحَافِظِينَ لِحُدُودِ اللَّهِ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 32 - 33]. ... وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَحْفَظْكَ " يَعْنِي: أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُدُودَ اللَّهِ، وَرَاعَى حُقُوقَهُ حَفِظَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] [الْبَقَرَةِ: 40]، وَقَالَ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] [الْبَقَرَةِ: 152]، وَقَالَ: إِنَّ {تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7], وَحِفْظُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: حِفْظُهُ لَهُ فِي مَصَالِحِ دُنْيَاهُ، كَحِفْظِهِ فِي بَدَنِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ.... النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْحِفْظِ، وَهُوَ أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ: حِفْظُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَإِيمَانِهِ، فَيَحْفَظُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَمِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ دِينَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَتَوَفَّاهُ عَلَى الْإِيمَانِ. انتهى مختصرا.

فإذا علمت هذا فإن الوصية المبذولة لك وللمسلمين جميعًا لينالوا حفظ الله ورعايته هي حفظ حدوده تبارك وتعالى بفعل جميع أوامره واجتناب جميع نواهيه.

وفقنا الله وسائر إخواننا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني