الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استخار الله في أمر ووالده لا يوافق عليه وأمه لا تمانع

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة, وصليت استخارة لموضوع ما, والحمد لله شعرت براحة وتفاؤل, وشعرت أني متشجع لهذا الشيء, وفي النهاية اكتشفت أن أبي معارض لهذا الموضوع الذي أريد أن أقوم به, مع العلم أن هذا الموضوع لمصلحتي الشخصية والمستقبلية والمهنية والاجتماعية, ولمصلحة أبي وأمي وأهلي جميعًا, وليس فيه مضرة, فما رأيكم؟ هل طاعة الوالدين أولى من الاستخارة؟ وهل تختلف المعارضة إذا كانت من الوالدين أو من أحدهما؛ لأن أمي لم تمانع بل شجعتني؟ وهل أطبق الحديث الشريف: "أمك ثم أمك ثم أمك"؟ وهل منعهم لي وعدم موافقتهم على هذا الأمر له دخل في الاستخارة؟ أي أنها نتيجة الاستخارة بأن الله جعل أبي يعارض لأن الموضوع فيه مضرة لي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا تعارض بين أمر الوالد وبين الاستخارة؛ لأن امر الوالد أو الوالدة قد يكون واجبًا, وفعل المستخار فيه ليس كذلك, بل قد يكون الخير في فعله, وقد يكون في تركه.

وأما كيفية معرفة خيرية الأمر الذي هو سبب الاستخارة: فقد تُعلم بانشراح صدر الشخص المستخير من غير هوى سابق, أو بما يصدر عن المستخير من فعل أو ترك عقب الاستخارة، قال ابن حجر في الفتح: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة؟ فقال ابن عبد السلام: يفعل ما اتفق، ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود وفي آخره: ثم يعزم.

وقال النووي في الأذكار: يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره، ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني إذا هممت فاستخر ربك سبعًا، ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك، فإن الخير فيه، وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، ولكن سنده واه جدًا، والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان فيه هوى قوي قبل الاستخارة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد: ولا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى

وخلاصة القول أنه إذا لم يكن في ترك هذا الأمر مشقة عليك, ولا ضرر, فيجب طاعة والدك فيه, وإلا فلا تجب عليك طاعته, ولا سيما إن لم تكن له منفعة في ذلك, ولا ضرر عليه في خلافه, فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية, وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب, وإلا فلا. اهـ

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: .... وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره. اهـ.

وأما مجرد تشجيع والدتك لك على المضي في الأمر فلا يؤثر على ما تقدم من وجوب طاعة والدك, وحديث: أمك ثم أمك ليس هذا متعلقه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني