الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة بين النفي والإثبات

السؤال

لقد وقفت على فتوى في موقعكم الطيب تنسب للشيخ ابن جبرين -رحمه الله- يدعي فيها الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة, وأن قول الشيخ الألباني شاذ، ولم يسبقه إلى ذلك أحد, ولكنني وقفت على من سبق الشيخ الألباني -رحمه الله-بهذا القول, منهم الإمام الشوكاني, وابن حزم “ المحلى“ وصديق حسن خان، وغيرهم. ولقد ذكر الشيخ الألباني مجموعة ممن ذهبوا إلى هذا القول, وإن شئتم ذلك فعليكم ب “ تمام المنة“ و“ الإرواء“ و“ الروضة الندية “ فأرجو إن ثبت هذا أن تحذفوا الفتوى, أو تحذفوا ادعاء الإجماع. وبارك الله فيما تقدمونه من خدمات طيبة لصالح الإسلام والمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنشكر الأخ السائل الكريم على ما نبه عليه، كما نشكر له حسن أدبه، وحكاية الإجماع على أن الزكاة واجبة في عروض التجارة نقلها قديما الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى في كتابه الإجماع – ونقلها عنه ابن قدامة في المغني حيث قال: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ الزَّكَاةَ، إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَدَاوُد، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا ... اهــ.

ومذهب المالكية وجوب الزكاة في عروض التجارة أيضا، لكن بشرط أن يكون أصلها عينا، أو عرض تجارة.

جاء في شرح الخرشي عند قول خليل: وكان كأصله, أو عينا. قال: أي ومن شروط وجوب الزكاة في العرض المذكور أن يكون أصله عرضا ملك بمعاوضة، سواء كان عرض قنية, أو تجارة؛ فإذا كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة، ثم باعه فإنه يزكي ثمنه لحول أصله على المشهور؛ لإعطاء حكم الثمن حكم أصله الثاني لا أصله الأول، أو يكون أصله الذي اشترى به عينا... اهـ.

والشاهد أن حكاية الإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة قد لا تسلم، وقد لا تستبعد؛ وخلاف داود الظاهري إذا حصل بعد انعقاد الإجماع قبله فإنه لا يؤثر في خرق الإجماع؛ فضلا عمن بعده كابن حزم والشوكاني والألباني رحمهم الله جميعا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى: ومتى انقرض عصر أهل الاجتهاد المجمعين من غير خلاف ظاهر لم يعتد بما يظهر بعد ذلك من خلاف غيرهم بالاتفاق. اهـ.

والقول بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة اعتبره شيخ الإسلام ابن تيمية قولا شاذا حيث قال في مجموع الفتاوى: وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَسَائِرُ الْأُمَّةِ - إلَّا مَنْ شَذَّ - مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِهَا فِي عَرْضِ التِّجَارَةِ. اهـ.

فمما سيق من النقول يلتمس للشيخ ابن جبرين العذر في دعوى الإجماع.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني