الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طهارة وصلاة المصاب بسلس الريح

السؤال

أعشق الصلاة, ولكني أعاني فيها بشدة, فقد بدأت مشكلتي منذ 3 سنوات؛ حيث أصبح يخرج مني ريح بشكل غير منتظم, ولا يمكنني التحكم فيه إطلاقًا, وموعد خروج هذا الريح غير محدد, ففي أيام يأتي في كل الصلوات, وفي أيام أخرى يأتي في صلاة أو اثنتين, ومن الممكن أن يمر يوم أو اثنان دون ريح, وأصلي صلاة لا عناء فيها, ولكنه يعود في اليوم التالي, وأنا أحيانًا أعيد الوضوء والصلاة أكثر من عشر مرات للفرض الواحد, وفي النهاية يخرج موعد الصلاة, وأكون بهذا صليت وأنا أخرج ريحًا, وفي بعض الأوقات أصلي العصر مثلًا بخروج الريح, ولا يخرج الريح في المغرب, فأعيد العصر مع المغرب مرة أخرى, وهكذا؛ حتى أصبحت أتعب تعبًا شديدًا, فكلما وجدت فرصة لا يخرج فيها الريح أسارع وأصلي أكبر قدر من الصلوات؛ حتى أعوض الصلاة التي خرج مني ريح أثناءها, مع العلم أني أمكث في دورة المياه - أعزكم الله - مدة طويلة جدًّا قبل كل صلاة؛ حتى أنظف بطني, وأستطيع الصلاة، وفي أوقات قليلة يوفقني الله, وفي أغلب الأوقات يخرج مني الريح مهما مكثت في دورة المياه, وقد ذهبت إلى عدد كبير من الأطباء, وأجريت فحوصات وإشاعات, ومنظارًا, وأخذت كمًا هائلًا من الأدوية, ومع كل هذا لا ينقطع الريح أثناء الصلوات, رغم أنه قد تمر عليّ ساعات دون إخراج ريح, وهذا ليس وسواسًا؛ لأن أمي وأختي تسمعان الريح الصادر عني أثناء الوضوء والصلاة, فأرجو منكم إفادتي، هل يجب عليّ إعادة الصلاة؟ فصلاة العشاء مثلًا وقتها متسع, فهل لو خرج مني ريح في العشاء أظل أعيد الصلاة حتى أتمكن من صلاة صحيحة حتى وقت الفجر؟ مع العلم أن الريح إما أن ينقطع لبعض ساعات, أو لا, فهل أصلي على حالي هذا, ولا أعيد الصلاة؟ وهل من الممكن أن أدعو في الصلاة, وأتمتع بها ما شئت من وقت وأنا على حالي هذا؟ لأني الآن أصلي بسرعة؛ حتى أستطيع إدراكها قبل أن يخرج مني ريح, وقد حاولت أن أنتظر وقتًا معينًا يذهب فيه الريح, لكنه ليس له وقت محدد للانقطاع, فقد ينقطع في بعض الأيام لساعات محدودة, لكنها صدفة, وغير معلوم وقتها, فهل أصلي في هذه الساعات القليلة كل صلوات اليوم؟
وأنا أيضًا أعاني من سلس بول - حسب تأكيد الأطباء - وأحتاج أن أتبول مرارًا وتكرارًا, وينزل مني في الصلاة, ولا أتحكم فيه, وفي بعض الأوقات أقطع الصلاة وأعيدها, وفي البعض الآخر أكمل صلاتي, وفي بعض حالات قليلة - لثلاث صلوات مثلًا - من الممكن أن لا ينزل مني بول, ولكن هذه حالة غير ثابتة, فإذا كنت أصلي التراويح وقيام الليل 8 ركعات مثلًا فهل أعيد الوضوء بين كل ركعتين؟
أرجوكم أفيدوني, فقد أصبح حالي يرثى له بالنسبة للوضوء والصلاة, وكذلك حالتي الصحية تتدهور بسبب طول المكوث في دورة المياه لمحاولة لتنظيف بطني, والصلاة بارتياح وطمأنينة.
جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فإذا كان واقع الحال ما ذكرت فإنك تعتبرين مصابة بسلس الريح وسلس البول, ولا يلزمك إلا أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها, وتصلي فريضة الوقت ونوافلها, ولا يضرك ما خرج أثناء الوضوء أو الصلاة, ولا تلزمك إعادة الصلاة بعد أدائها, ولو توقف خروج الريح ما دام الانقطاع ليس منتظمًا, وتحصل المشقة بمحاولة انتظاره, فلا يُعتبر ولا يُنظر إليه.

قال ابن قدامة في المغني عن انقطاع دم المستحاضة ونحوها بعد الوضوء: وَإِنْ عَادَ الدَّمُ: فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ, قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَيُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ، يَقُولُونَ: إذَا تَوَضَّأَتْ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ انْقَطَعَ الدَّمُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، تُعِيدُ الْوُضُوءَ, وَيَقُولُونَ: إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ، قَوْلًا آخَرَ, قَال: لَسْت أَنْظُرُ فِي انْقِطَاعِهِ حِينَ تَوَضَّأَتْ سَالَ أَمْ لَمْ يَسِلْ، إنَّمَا آمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْخَبَر؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا يَشُقُّ، وَالْعَادَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَنَّ الْخَارِجَ يَجْرِي وَيَنْقَطِعُ، وَاعْتِبَارُ مِقْدَارِ الِانْقِطَاعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِيهِ يَشُقُّ، وَإِيجَابُ الْوُضُوءِ بِهِ حَرَجٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْهُ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ. اهــ .

وكذا في صلاة التراويح أو قيام الليل لا يلزمك إعادة الوضوء بعد كل تسليمتين, ونسأل الله تعالى أن يشفيك.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني