الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قول: الأشعرية مخانيث المعتزلة والمعتزلة مخانيث الفلاسفة

السؤال

هل يصح عن ابن تيمية قوله: الأشعرية مخانيث المعتزلة، والمعتزلة مخانيث الفلاسفة, وما معناه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (النبوات): الاستدلال بالأعراض على حدوث ما يلزمه من الجواهر، ثم الاستدلال بذلك على المحدِث، غير الاستدلال بحدوث هذه الأعراض على المحدِث لها؛ فتلك هي طريقة الجهميّة المشهورة، وهي التي سلكها الأشعريّ في كتبه كلها متابعة للمعتزلة، ولهذا قيل: الأشعريّة مخانيث المعتزلة. اهـ.
ومثل هذا السياق يفهم منه المراد بالعبارة المسؤول عنها، وكذلك كلمة "أفراخ" و "فروخ". فالمراد بذلك أنهم أخذوا منهم، وتأثروا بهم، وتابعوهم على قولهم أو بعض قولهم !!

قال الدكتور عبد الرحمن المحمود في رسالته العلمية (موقف ابن تيمية من الأشاعرة): قال شيخ الإسلام بعد ذكره لهذه الأصول الاعتزالية، مخاطباً الأشاعرة: وأنتم شركاؤهم في هذه الأصول كلها، ومنهم أخذتموها، وأنتم فروخهم فيها، كما يقال: الأشعرية مخانيث المعتزلة، والمعتزلة مخانيث الفلاسفة، لكن لما شاع بين الأمة فساد مذهب المعتزلة ونفرت القلوب عنه، صرتم تظهرون الرد عليهم في بعض المواضع مع مقاربتكم أو موافقتكم لهم في الحقيقة . ثم يذكر شيخ الإسلام بعض الأمور التي شابه فيها الأشاعرة المعتزلة. اهـ.
وقال الدكتور خالد المصلح في شرح العقيدة الواسطية: بعض أئمة السلف يسمي الأشاعرة مخانيث المعتزلة؛ لأنهم لم يتمحضوا في الاعتزال، ولم يسلكوا سبيل أهل السنة والجماعة، بل لفقوا بين حق وباطل. اهـ.

وقال الدكتور سفر الحوالي في شرح الطحاوية: المعتزلة في الأصل منشقون عن الجهمية، ولهذا قيل: المعتزلة مخانيث الجهمية، والأشعرية مخانيث المعتزلة. يعنون بذلك أنهم كالخنثى الذي ليس بذكر ولا أنثى، فـالجهمية الذكور هم الذين جهميتهم خالصة، وهم أصحاب جهم، أما المعتزلة فهم جهمية إناث. والمعتزلة الذكور هم أتباع واصل بن عطاء. أما الأشعرية فإنهم معتزلة إناث. وأي فرقة تنشق عن فرقة فإنها تعاديها أكثر من أي فرقة أخرى لم تكن منها أصلاً، وهذه سنة في التاريخ الفكري والعقائدي. اهـ.

ثم إن هذه العبارة ليست بدعا في كلام شيخ الإسلام، بل قد سبقه إليها غيره من أهل العلم، حتى من الأشاعرة أنفسهم، وهو إنما يذكرها حاكيا عن غيره غالبا، ولذلك علق عليها محقق كتاب النبوات الدكتور عبد العزيز الطويان فقال: هذه العبارة يذكرها شيخ الإسلام رحمه الله كثيراً بقوله: "قيل". وقد نسبها في الفتاوى لأبي إسماعيل الأنصاري رحمه الله، أنّه قال: "الأشعريّة الإناث هم مخانيث المعتزلة". وأحياناً يذكر رحمه الله هذه العبارة بقوله: "فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهميّة. وأمّا الكلابيّة فيُثبتون الصفات في الجملة، وكذلك الأشعريّون، ولكنّهم كما قال الشيخ أبو إسماعيل الأنصاري: "الأشعريّة الإناث، وهم مخانيث المعتزلة". أو يذكرها بقوله: "كما قيل: المعتزلة مخانيث الفلاسفة". اهـ.
وعلق أيضا عليها الدكتور عبد الرحمن المحمود فقال: شيخ الإسلام ليس هو أول من استخدمها، بل استخدمها قبله شيخ الإسلام الأنصاري المتوفى سنة 481هـ، الذي قال: "الأشعرية الإناث هم مخانيث المعتزلة". كما أن الشهرستاني المتوفى سنة 548هـ، قال عن المعتزلة: "الخناثي من المعتزلة لا رجال ولا نساء" نهاية الإقدام (ص: 159) ، وعبارة "المعتزلة مخنثة الفلاسفة" وردت في نفخ الطيب (5/307) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يصدر عبارته غالباً بقوله: قيل، أو يقال، انظر مجموع الفتاوي (12/13) ، والنبوات (ص: 79) ، وأحياناً يورد العبارة فيقول: " فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهمية" مجموع الفتاوي (8/227-14/348) ، وقال مرة عن السهروردي -عمر بن محمد - ت 632هـ، لما ذكر نفيه للعلو: "وهؤلاء مخانيث الفلاسفة ليست دقيقة لأنه جهماً سبقهم إلى هذه الأصول، إلا أن يقال: إنهم مخانيثهم من بعض الوجوه". اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني